على الرغم من حملة التهويل التي كانت قد سبقت زيارة السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا توماس باراك إلى لبنان، حيث كان التركيز على أنه سينقل الرسالة التي كان من المفترض أن تنقلها المندوبة مورغان أورتاغوس، بالنسبة إلى ضرورة الذهاب إلى معالجة ملف سلاح "حزب الله" بأسرع وقت ممكن، قبل أن تقرر إدارة بلادها إبعادها عن الملف اللبناني، يبدو أن تطورات المشهد الإقليمي، أي المواجهات العسكرية الإيرانية الإسرائيلية المباشرة، قادت إلى الحد من تأثير هذه الزيارة.
العنوان الأبرز لهذه الزيارة، بالرغم من تكراره مطالب واشنطن حول السلاح والإصلاحات، كان إيصال رسالة تحذيرية من دخول "حزب الله" على خط الحرب، على قاعدة أن التداعيات ستكون خطيرة جداً، لكن بعد ساعات قليلة من جولته على المسؤولين اللبنانيين، برزت المواقف التي صدرت عن أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم، الذي أكد أن الحزب لا يقف على الحياد بين حقوق إيران المشروعة وباطل أميركا وإسرائيل، لافتاً إلى أنه سيتصرف بما يراه مناسباً في مواجهة العدوان الإسرائيلي-الأميركي.
من حيث المبدأ، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن رسالة باراك لم تكن مستغربة، خصوصاً أن الجانب اللبناني كان قد تبلغ، في الأيام الماضية، بالعديد من الرسائل التحذيرية المشابهة، حيث كان الجواب المتكرر أن الحزب ليس في هذا الوارد، لا سيما أنه سبق أن حصل تواصلاً معه من قبل بعض الجهات الرسمية، على قاعدة أن طهران تستطيع الدفاع عن نفسها، وبالتالي هي ليست بحاجة إلى أي مساعدة، وهو ما يمكن التأكيد عليه من خلال ما نُقل من مواقف عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لناحية أن لبنان لن يدخل الحرب 200 بالمية.
إنطلاقاً من ذلك، تدعو المصادر نفسها إلى عدم ربط المواقف التي صدرت عن الشيخ قاسم بزيارة السفير باراك، حيث تلفت إلى أنها مرتبطة، بشكل أساسي، بالتهديدات التي كانت قد طالت المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، لا سيما أن أي إستهداف مباشر له من المتوقع أن ينقل المنطقة إلى مرحلة جديدة من المواجهة، بسبب الرد الذي من المتوقع أن تبادر إليه طهران على أي عمل من هذا النوع.
في هذا السياق، قد يكون من المفيد العودة إلى المعادلات التي من الممكن أن تقود إلى تفجير الأوضاع بشكل كامل، وبالتالي ترفع من إحتمالات دخول حلفاء إيران على خط المواجهة، حيث العنوانين الأبرزين، من وجهة نظر هذه المصادر، هما إستهداف السيد خامنئي أو تهديد النظام القائم ودخول الولايات المتحدة المباشر في الحرب، في حين أن كل الأمور الأخرى، التي هي دون ذلك، من المستبعد، على الأقل حتى الآن، أن تؤدي إلى ذلك، بالرغم من المواقف التي تصدر عن بعض هؤلاء الحلفاء، على قاعدة أنها لا تخرج عن الإطار السياسي، خصوصاً أن طهران لا تزال قادرة على الرد.
على الرغم من ذلك، تذهب مصادر نيابية معارضة لـ"حزب الله"، عبر "النشرة"، إلى التشديد على خطورة المواقف التي أدلى بها الشيخ قاسم، تحديداً تلك التي أشار فيها إلى أن الحزب سيتصرف بما يراه مناسباً، حيث تلفت إلى أن ليس من مسؤولية "حزب الله" أخذ أي قرار من هذا النوع، بل هناك دولة هي من تقرر ما هو مناسب، معتبرة أن هذا السلوك يذكر بـ"توريط" الحزب اللبنانيين، في الفترة الماضية، من خلال فتح جبهة إسناد لقطاع غزة، ثم رفضه الذهاب إلى وقف إطلاق النار قبل تحقيق ذلك في القطاع الفلسطيني، بالرغم من توقعها أن لا يبادر إلى أي خطوة من هذا النوع.
في المحصلة، ترى المصادر نفسها أن تداعيات أي "توريطة" جديدة للبنان في الحرب، من المفترض أن تكون معروفة من الجميع دون إستثناء، لا سيما أن البلاد لم تنجح بعد في الخروج من نتائج "التوريطة" الماضية، مشددة على أن المسؤولية تقع على عاتق كل من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، من أجل تفادي مثل هكذا السيناريو، وتضيف: "في الأصل، النقاش يجب أن يكون كيفية نزع سلاح الحزب، لا البحث في كيفية تجنيب لبنان الدخول في مغامرة جديدة".