– لم يكن في حساب محور المقاومة، خصوصاً ​إيران​ وحزب الله وسورية فتح حرب تبرر دخول حزب الله والقوات الإيرانية إلى سورية، لأنهم يحشدون لحرب تحرير ​فلسطين​ كي يصير نقاش التسويات من باب ماذا عن وجود حزب الله وإيران قرب حدود فلسطين مع سورية؟ فالهدف من المشاركة التي نهضت لها قوى المقاومة كان حماية سورية من حرب الإسقاط والتفتيت والفوضى، ولصدّ خطر تجذّر الإرهاب حماية لوجودها ومشروعها. وسقف المشروع تعافي سورية وقيامة دولتها واستردادها ما انتزع من جغرافيتها، وتوحيد ترابها الوطني، وإعادة دور مؤسساتها، لكن برئيسها وثوابتها وخيارها المقاوم، وكله مختزَنٌ بمعادلة سورية بجيشها ورئيسها.

– تفاهمت ​روسيا​ وإيران وسورية والمقاومة منذ البدايات أن الحرب المكلفة والطويلة هي طريق لتسوية تثبت الخلاصة بعودة سورية موحّدة برئيسها وجيشها. فالتسوية إذا ضمنت هذا العنوان تعني تشريع النصر واختصار أكلافه. ولذلك فمهمة القتال تقديم مادة للسياسة تسمح بقياس درجة نضج رأس فريق الحرب الذي تمثله واشنطن لتسوية بهذا العنوان، وأول المطلوب أن يبلغ الأميركي مرحلة التسليم بلا جدوى المزيد من الرهان على الحرب لتحقيق هدف إسقاط سورية، وهذا تحقق مع التموضع الروسي في سورية نهاية عام 2015 وتكرّس مع ​معركة حلب​ نهاية عام 2016، وصارت المرحلة الثانية أن يسلّم الأميركي بأن كلفة الاستنزاف أكبر من كلفة التسويات.

– في حرب الاستنزاف اختبر الأميركي فرضيات الفوضى وهيمنة ​داعش​ وصولاً لفرضية التقسيم وفضلها جميعاً على تسوية عنوانها عودة سورية برئيسها وجيشها، لكنها تبخّرت جميعها، وصار الخيار البديل للتسوية هو مواصلة القتال تحت عنوان الحرب على داعش وتكون تركة داعش الرئيسية من نصيب ​الجيش السوري​ وحلفائه وخصوصاً حزب الله. وبالتالي قدمت المعادلة الروسية للأميركي بصيغة تقول، إذا كنتم تخشون تموضع حزب الله والإيرانيين في كل الجغرافيا السورية، فحيث يدخل الجيش السوري بالقتال سيدخل معه الإيرانيون حزب الله، وحيث يدخلون لا يمكن لأحد إخراجهم، إنه الوقت لتفكروا بالتسليم الطوعي للمناطق التي تستطيعون الإمساك بقرارها لحساب الجيش السوري فيدخلها وحيداً، والخيار بين سورية برئيسها وجيشها، او سورية برئيسها وجيشها ومعهما إيران وحزب الله على كل الجغرافيا الجديدة للحرب، باعتبار ما مضى قد مضى وصار خارج البحث.

– سقوط الخط الأحمر الأميركي على الحدود السورية العراقية كان النقلة الأهم للتحوّل، والمشاروات التي سبقت لقاء الرئيسين ​دونالد ترامب​ و​فلاديمير بوتين​ خلال ثلاثة أسابيع على مساري أستانة من جهة وترتيبات الجنوب، ومن جهة مقابلة لقاءات بحث الملفات المطروحة للتنسيق بين وفدَيْ الخبراء والمستشارين قبيل القمة، قد نجحت ببلوغ المعادلة التي تقول إن كلفة التسوية صارت أقلّ من كلفة المضي بحرب الاستنزاف، وبقي أن تكون كلفة التسويق للتسويات معقولة، فكان الخيار جنوب سورية لربطه أميركياً بهواجس «إسرائيل» وخدمة أمنها، وإمكانية التباهي الأميركي بإبعاد إيران عن الحدود، وكان الخيار ​أوكرانيا​ لربط رفع العقوبات بالسير بالتفاهم الموقّع في مينسك لإنهاء النزاع.

– لا صواريخ كورية جديدة ولا طائرات أميركية تخرق الأجواء القريبة من روسيا، ولا سقوط لقطر وتغيير في معادلات سوق الغاز العالمية مقابل لا سقوط لنظام كييف، وذهاب بارد لمراكمة التسوياتز وفي سورية بقاء الرئيس السوري مفتاح الحل تحت شعار ضمان دولة مركزية قوية قادرة على الإمساك بحدودها، فترتاح تركيا وتسكت «إسرائيل»، ويبدأ جنيف كإطار للحل السياسي عندما تبدأ معارك داعش في ​دير الزور​ بتنسيق ​الأكراد​ مع الجيش السوري وشراكة الروس والأميركيين، ويكون الحضور الكردي في جنيف بداية النزول عن شجرة الكيان الفدرالي والتقسيمي، مقابل حجم تمثيلي في وفد المعارضة يتناسب مع الحجم العسكري.

– وضع محور المقاومة خطّته، كما وضعت إيران خطتها لملفها النووي. فالاعتراف بالإنجاز من الجانب الغربي وشرعنته نصف النصر. وكذلك في سورية، وينضج الغرب لما يصير بديل التسوية بلوغ إيران القدرة على امتلاك القنبلة التي لا تريدها. وهكذا في سورية، لما تصير التسوية بعنوان سورية برئيسها وجيشها بديلاً عما يشبه القنبلة النووية، أي بلوغ حزب الله وإيران بالقوة خطوط التماس مع «إسرائيل». وهذا كما القنبلة النووية ليس هدفاً لسورية ولا لإيران ولا لحزب الله من القتال في سورية، أن يصير الأميركي الذي جاء للحرب لإسقاط سورية برئيسها وجيشها قد صار يرى ببقائهما وعودة اعترافه بهما رداً لخطر أكبر نجح محور المقاومة بجعله خطراً ممكن الحدوث. تلك قمة القوة والحنكة والذكاء الاستراتيجي، تماماً كما وصف ​باراك أوباما​ سبب قبول التفاهم النووي مع إيران ووقف العقوبات بالقول، لقد فرضنا العقوبات لنجعل إيران أبعد عن امتلاك القنبلة. واليوم صارت العقوبات الطريق لبلوغ إيران امتلاك القنبلة.