في نيسان من العام 2010 أقرّ مجلس الوزراء اللبناني آليّة خاصة بالتعيينات الإداريّة لموظّفي ​القطاع العام​، وتحديدًا لموظّفي الفئة الأولى، وُصفت في حينه بأنّها خطوة مهمة على طريق تحديث وتطوير القطاع الرسمي. واليوم، وبعد مرور نحو سبع سنوات على ذلك، تعمل جهات سياسيّة فاعلة في الحكومة والسُلطة عُمومًا على إلغاء هذه الآليّة، أو على الأقلّ لجعلها غير إلزاميّة. فهل تنجح في مسعاها، أم أنّ هذا الملفّ الدقيق سيُشكّل مادة لخلافات كبيرة خلال جلسة مجلس الوزراء اليوم وفي المُستقبل القريب أيضًا؟.

لا شكّ أنّ ما حصل خلال جلسة مجلس الوزراء السابقة من نقاشات، وما ظهر من مواقف مُتضاربة، أعطى فكرة عن طبيعة التموضعات الوزاريّة والسياسيّة بالنسبة إلى بند "آلية التعيينات الإداريّة" المُدرج ضمن جدول أعمال مجلس الوزراء اليوم. ومن الواضح أنّ وزير الخارجية ​جبران باسيل​ يُريد إلغاء آليّة التعيينات المُعتمدة منذ بداية العقد الحالي، وتحويلها إلى صيغة غير إلزاميّة، وذلك بهدف تعزيز السُلطات المَمنوحة للوزراء بحيث يختارون فريق عمل مُتجانسًا بعيدًا عن تعقيدات الآليّة الإداريّة الروتينيّة، من مُنطلق أنّ كل وزير معني بأي تعيين يُفترض أن يكون على دراية بطبيعة عمل وزارته وبحاجاتها وبمشاكلها وبالشخصيّات المناسبة لملء المراكز الأساسيّة الشاغرة فيها.

في المُقابل، يُعارض وزراء حزب "القوات اللبنانيّة" هذا المسعى البُرتقالي، ويُطالبون بالتمسّك بآليّات دُستورية واضحة في مُقاربة وظائف القطاع الرسمي الأساسيّة، وبأن تكون المسألة مرتبطة بمعايير عادلة تُنصف المُتقدّمين إلى وظائف القطاع العام وتؤمّن لهم فرصًا مُتساوية، بعيدًا عن مزاجيّة وزير هنا وعن "وساطة" سياسي هناك. وعلى الرغم من أنّ وزير الإعلام ​ملحم الرياشي​ موجود خارج البلاد ولن يتمكّن من حُضور جلسة اليوم الأربعاء على الأرجح، فإنّ باقي وزراء "القوّات" سيتصدّون لأي مُحاولة لإلغاء الآليّة الدستورية السابقة، والتي تنصّ على ضرورة مرور المُرشّحين إلى المناصب الإداريّة الرسميّة بمجلس الخدمة المدنيّة وبوزارة الشؤون الإداريّة، على أن يبتّ مجلس الوزراء مُجتمعًا بالأسماء النهائيّة ويختار واحدًا منها.

والمُفارقة أنّ "تيّار المُستقبل" يدعم "التيار الوطني الحُرّ" في مسعاه لتجاوز آليّة التعيينات المُعتمدة، ومن المُنتظر أن يُساند وزراء "التيّار الأزرق" وزراء "التيّار البرتقالي" عند طرح بند آليّة التعيينات، بينما من المُتوقّع في المُقابل أن يصطفّ وزراء كل من "تيّار ​المردة​" و"حزب الله"، وفي طليعتهم وزير الشباب والرياضة محمد فنيش(1)، إلى جانب وزراء "القوّات" في رفض تطيير آليّة التعيينات، من دون تأمين البديل الدُستوري العادل والمنطقي، بعيدًا عن التدخّلات السياسيّة والحزبيّة المُفرطة إلى درجة تحويل المُرشّحين لمناصب الفئة الأولى إلى "أزلام" لبعض القيادات السياسيّة الرئيسة.

إلى ذلك من الضروري الإشارة إلى أنّ "القوّات" لم تهضم بعد تجاوزها بشكل كامل في سلسلة من التعيينات المُهمّة السابقة، لا سيّما على مُستوى التعيينات الأمنيّة والقضائيّة التي حصلت في آذار 2017، وهي غير راضية إطلاقًا على رفض "التيّار الوطني الحُرّ" المُوافقة على الآليّة الدُستورية التي إعتمدها وزير الإعلام لإختيار رئيس جديد لمجلس إدارة تلفزيون لبنان، والتي أنتجت ثلاثة مُرشّحين رُفعت أسماؤهم إلى مجلس الوزراء، بينما يُصرّ "التيّار" على أن تعيين رئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان هو من سُلطات رئيس الجمهوريّة، تمامًا كمنصب قائد الجيش، بحسب الأعراف السائدة في لبنان. وقد أدّى هذا الإختلاف بالرأي إلى تأجيل حسم موضوع ملفّ إدارة التلفزيون الرسمي مرّات عدّة في السابق، علمًا أنّ الأمور لم تعد تحتمل أيّ تأجيل إضافي، حيث يُتوقّع أن يُطرح الموضوع في الجلسة التالية للحكومة. وبالتالي، من المُتوقّع أن يُشكّل هذا الملفّ مادة خلافيّة إضافيّة بين "التيّار" و"القوّات"، مُتشعّبة من الخلاف على آليّة التعيينات ككل.

في الختام،لا شكّ أنّ الخلاف على آليّة التعيينات يحمل أبعادًا إداريّة وتنظيميّة مُختلفة، ويُشكّل أيضًا صندوق بريد لتبادل الرسائل السياسيّة بين أكثر من طرف أساسي في الحُكم، لكنّه بالتأكيد يُخفي رغبات بالإمساك بمفاصل السُلطة من قبل بعض الجهات الفاعلة، ومُحاولات للتمسّك بمفاهيم دولة القانون والمؤسّسات من جهات فاعلة أخرى.

(1) كان يشغل في العام 2010 منصب وزير دولة لشؤون التنميّة الإداريّة، وهو قدّم في حينه الصيغة النهائيّة لآليّة التعيينات الإداريّة إلى مجلس الوزراء، ولعب دورًا فاعلاً بإقرارها.