تتشابه أيامنا ومشكلاتنا واهتماماتنا، وحتى أحلامنا، إلى حدّ الملل، فكأنّنا نعيش في دوّامة لا تنتهي، أو كأنّنا نشاهد فيلماً سينمائياً تتكرّر أحداثه بلا توقّف...

لنتصوّر مثلاً، ​لبنان​ياً يقصد في هذه الأيام الصيفية طريق ​بيروت​ ـ ​دمشق​، ليُصدم حينما يصل إلى منطقة ​بحمدون​ بنفقٍ قيدِ الإنجاز وسط الطريق منذ أكثر من خمس سنوات، نفق من المفترض أن يخفّف من أزمة السير على طريق تُعتبر رئيسة وشرياناً مهمّاً يربط ​الساحل اللبناني​ بمحافظة البقاع والدول العربية... ولكن ما إن يراه السائق من الخارج أو يدخل إليه، سرعان ما يشعر بأمور عدّة وغريبة، فيُصاب بالانزعاج، والدوخة، نفق في وسط أتوستراد دولي، يُشَقّ من دون تخطيط محترف أو رؤية مستقبلية، وتباطؤ في الأعمال بنحوٍ غريب، مع إحداث طريق فرعي ومؤقّت فوق سكّة القطار التاريخية، واستبدال المتعهّد بمتعهّد آخر من دون معرفة الأسباب، أهو تقصير؟ أم اختلاف في الآراء الهندسية؟ أم عدم تنفيذ؟

أم وأم ... وما يثير الدهشة والاستغراب أنّ الطريق هي عامّة بل دولية ومعبر حيوي تمرّ عليه في اليوم الواحد ألوف السيارات، وعلى الرغم من كلّ ذلك فإنّ التقاعس موجود «وعلى عينيك يا مواطن»، على حدّ المثل الشعبي...

وإذا استطاع السائق الخروج من النفق سالماً بلا أيّ ضَرر، تَظهر أمامه، ومن حيث لا يدري، كلّ المخالفات والمصائب والفساد الذي يضرب لبنان، فتقفز أمام عيونه قصّة الكهرباء وبواخرها التي أصبحت كقصّة إبريق الزيت، بل تشبه مسلسلاً تركيّاً طويلاً تُختم حلقاته من دون أن تنتهي أحداثه.

فالبواخر لن تجلب معها لا كهرباء ولا ساعات تغذية إضافية، وإنّما، بحسب البعض، أموالاً إضافية ستدخل إلى جيوب بعض الساسة. والبعض الآخر يردّ أنّ الاتّهام يحمل في طيّاته معاقبة سياسية، وفي كلا الأمرين هنالك شيء غير واضح ومعيب ومفاجئ تماماً كهذا النفق... .

هذا السائق المسكين الذي وقبل أن يجتاز مسافة طويلة ويبتعد عن النفق تقفز أمامه قصّة النفايات وما فيها من ألاعيب وحِيل وجبال ترمى في البحر المفتوح وأموال تدخل الى الجيوب، ومعالجة لنفايات قديمة لا تمتّ إلى البيئة بصلة، وشركات مُحدَثة تدخل إلى قطاع من المفترض أن يدرّ أموالاً على البلديات واتّحاداتها فإذا به يوقِعها بعجز، ويسحب منها أموالها ومقتنياتها، كلُّ ذلك من دون حلّ علميّ أو نهائي، وإنّما على حساب صحّة المواطن وبيئة لبنان وطبيعته التي أعطانا إياها الخالق مجاناً...

ولا تنتهي القصة هنا، إذ سرعان ما يعلق السائق في زحمة سير على طريق صُرِفَت عليها أموال طائلة كان من المفترض أن تجعلها حديثةً ومتطوّرة وتتّسع لكلّ هذه السيارات.. زحمة سير قاتلة تكاد تأكل عمر اللبناني وحياته وتُكبّد اقتصاده خسائرَ بملايين الدولارات.. كلّ ذلك بلا أيّ خطة في الأفق.

لا يصدّق السائق أن ينتهي نهاره، وأن يصل إلى بيته سالماً من دون أن يُقتَل على يد أرعن محميّ من جهات معلومة.. والقصّة نفسُها تتكرّر معه يومياً بلا أيّ تبديل.. هي حكاية لبناني شبيهة بحكايات لا تنتهي في بلدٍ قصصُه وفضائحه تشبه أخبارَ «ألف ليلة وليلة»، ولكنّها لا تنتهي مع صياح الديك في الصباح الذي ما زلنا ننتظر قدومه...