تندرج معركة عرسال التي يقودها ​الجيش السوري​ النظامي و​حزب الله​ في سياق البرنامج العسكري الذي اعده هذا الفريق لإعادة السيطرة على الأراضي السورية التي سقطت في يد المعارضة المسلحة وإلى جانبها المنظمات الارهابية، مثل داعش والنصرة، الى غيرها ذات الطابع الإسلامي.

إذ في المنطق العسكري لكل من الرئيس السوري بشار الأسد وامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، فإن سقوط منطقة ​جرود عرسال​ يشكل استكمالا للمكاسب السياسية التي تسجل لمصلحة النظام الذي استعاد سيطرته على عدد من الأراضي السورية، عدا ان السيطرة على هذه المنطقة تغلق الجبهة الغربية المتاخمة لدمشق من الجانب السوري وكذلك الجبهة الشرقية التي يتواجه فيها حزب الله مع داعش بشكل خاص، بحيث ان تطهيرها ينهي هاجس تسلل هؤلاء في شتى الاتجاهات، اذ بات ضروريا انهاء هذا الجيب لتقليص عناصر الجيش السوري او حزب الله المحيطين به للانصراف الى محاور اخرى.

ولم يكن النظام السوري او حزب الله بحاجة الى ضوء اخضر لهكذا عملية قياسا الى حجم المعارك الكبرى التي خاضها هذا التحالف المتشابك مع قوات شيعية من عدة دول تقودها ايران في كل من الموصل وحلب بنوع خاص نظرا الى حساسية تركيبة هذه المدن، على غرار الضوء الأخضر الاميركي في انهاء معركة الموصل ومعها داعش او الضوء الأخضر الروسي للسيطرة على حلب، اذ هي لا تدخل في سياق الحسابات الدولية او التفاهمات التي تنتج احيانا لتنظيم النزاعات في مناطق وجبهات عديدة. ولذلك فإن الكلام في محيط حزب الله انه، كما لم يكن يوما بحاجة الى غطاء فهو ليس بحاجة حاليا للعامل ذاته، لان ما يقدم عليه هو لحماية لبنان من مفاعيل هذه البؤرة الإرهابية التي شكلت جرحا نازفا للجانب اللبناني وتستهلك في الوقت ذاته طاقات ومعنويات كل من الجيشين اللبناني والسوري والمواطنين الذين يوجدون في تلك المنطقة.

وان حزب الله وفق الكلام ليس بحاجة لاخذ الغطاء من قوى حكومية فاسدة غارقة في الصفقات والفساد، وتقزمت أمامه بفعل حساباتها الخاصة ومصالحها في وقت ينصرف فيه لقتال الإرهابيين منذ سنوات، اذ ان البلد امام نهجين، احدهما يريد السلطة لتحقيق المكاسب كما هو حال الفريق الحكومي فيما النهج الآخر يقدم سيادة لبنان وحمايته على اي خيار آخر، فأولوية حزب الله تكمن في قتاله اسرائيل وحاليا المجموعات الارهابية.

وإن كان حزب الله يتمسك بعدم حاجته الى غطاء من احد حسب الكلام الدائر لديه ، وتحديدا رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يغض النظر عن هذه العملية، فإن ذلك لا يعني امكانية اعتراض أي مسؤول عليها وعلى ما يقدم عليه حزب الله من خطوة تحمي لبنان يتكبد من جرائها عددا كبيرا من الشهداء، التزاما منه بحماية السيادة والشعب اللبناني. ويصل الكلام في هذا المحور الى حد القول ان الحريري الذي خبر سابقا قدرة حزب الله وتأثيره لدى اسقاط حكومته بالتزامن مع دخوله البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما، فإن التاريخ قد يعيد ذاته هذه المرة اذا ما كانت له مواقف منتقدة لحزب الله في حسمه لمعركة الجرود من زاوية تضامن رئيس الحكومة مع المحور العربي الذي يدعم هذه المجموعات المسلحة والى جانبها الإرهابيين.

اذ ليس من الصعب أن يقدم وزراء محور الممانعة في الحكومة على إعادة خطوة الاستقالة بالتزامن مع لقاء الحريري الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المكتب البيضاوي اذا ما تبين للحزب ان كلاما معاديا له صدر عن رئيس الحكومة في لقاءاته هذه. ولدى حزب الله في الوقت ذاته ترقب حيال كيفية ملاقاة القوى السياسية اللبنانية للعقوبات التي ستفرضها واشنطن عليه وكذلك كيفية تفاعل هذه القوى مع التحالف الأميركي - السعودي الذي شهدته الرياض مؤخرا، وهو يحمل في طياته مواجهة للجمهورية الاسلامية، وذلك لناحية بقاء هذه القوى اللبنانية على هذا الواقع من القناعة بالتسليم بدور حزب الله كما هو الوضع الان ام انها ستعمد الى انقلاب على هذا الخطاب الذي تعتمده اذا ما تبدلت موازين القوى حسب اعتباراتها او اذا طلب منها ذلك.

الا ان المشهد لا يبدو على هذا المنوال في محور الحريري، اذ قتال الارهابيين يأتي في سياق التوجه الدولي ولا يعني الامر ان حزب الله يكتسب شرعية لأعماله، وان ما يقوله في العلن وفي لبنان هو الكلام ذاته يقوله في اي لقاء إقليمي - دولي.

وتكون القراءة في محور الحريري بأن حزب الله، يتصرف دون اي اعتبار للدولة للبنانية لكن رئيس الحكومة قرر التعاطي معه انطلاقا مما قاله يوم انطلاق المحاكمات في جريمة استشهاد والده رفيق الحريري، اي ان «ضبضبة» الشأن اللبناني هي خيار استراتيجي، ثم ان ترامب هو غير اوباما الذي رد على اسقاط الحريري بتحريك ملف المصارف اللبنانية يومذاك واستدعى الامر تحرك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتطويق الامر، فالتلاعب مع ترامب لن يكون سهلا وهو الذي بدأ حملته الانتخابية ومن ثم لايته بالانقضاض على ايران وحزب الله، فأي خطاء يكون موجها لترامب في اي حقل قد يسرع في خطوات تطويق لبنان اقتصاديا في حين يعمل الحريري على فرملة اندفاعة هذه الاجراءات في لقاءاته الاميركية لكونه يشكل صِمَام الأمان في هذا الحقل الدولي من خلال توليه رئاسة الحكومة.