عُذراً منكم أيّها المسؤولون عن المدارس الخاصّة، فأنا لا أفقه لُغة الأرقام، ولكننّي لَم أستطع، مع أنني حاولت، أن أستسيغ منطق التخويف الذي تأتون به عند كلِّ مُفترق طُرُق، من إقفال "بعضاً" من مدارسكم، بحجة إقرار ​سلسلة الرتب والرواتب​ المُجحفة، لا سيّما تلك البعيدة عن مراكز الثراء والفخفخة والمجد، حيثُ الناس يُجاهدون بثباتٍ وإيمانٍ صادق، ويصبرون على القِلَّة والعَوز، وعلى قساوة الحياة.

طبعاً ليست مصداقيتكم المالية موضع تشكيك عندي، ولا أسمح لنفسي بقولٍ مماثل، ولا المستوى العلمي الرفيع الذي نفتخر به وننحني أمامكم عليه، ولكن مُتطلبات ​إنجيل​ المحبّة تختلف بطبيعتها عن مُتطلبات السوق، سيّما وأن "بعض المدارس" الصغيرة هي المعنيّة، وأعتقد بأن كلّ الأعذار، مهما كانت صحيحةً، تُصبِح واهيةً أمام إنجيل المحبّة.

ولا يقعُ الحقُّ في ما أقوله عليَّ، بل على إنجيل المحبة الذي أؤمن به، ولا يزال إلى الآن يتحكّمُ بيَ، بعقلي وإرادتي. فإنجيلي هذا، قد أوكلني بأهل بيت سيّدي وأمرني بأن أُقدّم لهم الطعام في حينه(متى2445). ووصف لي طريقة الحياة ​المسيحية​ الحقّة بقوله: "كان المؤمنون متّحدين، يجعلون كلَّ ما عِندهُم مُشتركاً بينهُم، يَبيعون أملاكهم وخيراتِهم ويتقاسمون ثَمَنها على قدرِ حاجةِ كُلِّ واحِدٍ منهم"(أع232-46). وعلّمني بأننا أعضاء في الجسد الواحد، وكلُّ عضوٍ هو للآخر(رو125). وقال لي:"كلّ ما فعلتموه لأحدِ إخوتي هؤلاء الصِّغار ، فليِ قد فعلتموه"(متى2540).

مبادىء ليست غريبةً عن معرفتنا، ولكنّ العبرة في التنفيذ. فما الذي يمنع المدارس الغنيّة من مَدِّ يَدِ العَون إلى المدارس الفقيرة التي تنتمي إلى الجسد نفسه؟! وما هو العائق؟! أولسنا كُلُّنا أعضاء في الجسد الواحد؟! أما هكذا علّمنا إنجيلُ المحبة؟! أوليسَ في تطبيق مبادىء المحبّة الإنجيليّة شهادةً مسيحيةً حقّة وجذّابة؟! وفي حال العُسر المادّي، لماذا لا تتدخّل مدارس الإغتراب التي ترشح أرباحاً طائلة وتأتي بها إلى المراكز الأمّ، فتسند مدارس الداخل؟!. أسئلةٌ أعتقدُ بأنّها مُحقّة وليسَ فيها إساءة إلاَّ إلى المحبّة إن لم تَجد لها جواباً.

في الزمن غير العادي، الذي تتعرّض فيه الجماعات إلى خطرٍ وجودي كالخطر الذي يتربّصُ بنا، نحن القطيع الصغير في هذا الشرق، لا يجدر بمؤسساتنا المسيحية أن تُفكّر في كميّة الأرباح المادية التي هي حّقٌّ لها لاستمراريتها ولتطوير ذاتها لِما فيه خيرها وخير مَن تخدم، بل في كميّة العطاء الذي ينأى بِها وبالجماعة عن خطر الإضمحلال. لذا على مؤسساتنا هذه أن تُشَرِّع أبواب أهرائها المملوءة محبّةً، لكي تُشرق من خلالها شمس الخير على أعضاء الجسد كلّه، فتتحقق الرسالة المسيحية النقيّة، ويتمجَّدُ الربُّ في الإنسان المَخدوم، وإلا فَغَدُ السقوط لناظره قريب!.