أعاد الهجوم الإرهابي الذي إستهدف، مساء أول من أمس، مارة في جادة لا رامبلا في برشلونة التي يقصدها عدد كبير من السياح، ما أدى إلى سقوط العشرات من القتلى والجرحى، الكثير من الأسئلة التي تُطرح حول قدرة الجماعات المتطرفة على تنفيذ هجمات إرهابية إلى الواجهة من جديد، بالرغم من الحملات العسكرية التي تشن ضدها في معاقلها الأساسية في سوريا والعراق وليبيا، خصوصاً بعد أن أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن هذا الإعتداء.
وفي حين يؤكد تكرار هذه العمليات الإرهابية في البلدان الغربية فشل الأجهزة الأمنية في تلك الدول بأخذ الإجراءات المناسبة التي تحول دون حصولها، يكشف أن الجماعات المتطرفة لديها قدرة كبيرة على التخطيط والتنفيذ، لا سيما مع توفر الأفراد الجاهزين للقيام بمثل هذه الأعمال داخل تلك البلدان نفسها.
في هذا الإطار، يمكن التأكيد بأن هذه الأعمال من غير المتوقع أن تتوقف في المرحلة المقبلة، بغض النظر عما يجري من إجراءات عسكرية على أرض المعركة الفعلية، نظراً إلى أن الجماعات المتطرفة قد تستفيد من الحملات التي تشن ضدها لتشجيع المتعاطفين معها على الإنتقام، وهو الأمر الذي يحصل منذ أشهر طويلة، لا بل هي تعمد إلى تقديم المساعدات النظرية لهم في حال لم يكن بينهم من هو قد خضع لتدريب مسبق داخل معسكراتها، الأمر الذي من المفترض أن يضع الأجهزة المعنية أمام معركتين: الأولى عسكرية تخاض ضد مسلحي تلك الجماعات في معاقلها، والثانية أمنية للكشف عما تخطط له من عمليات إرهابية بنفسها أو يخطط له أحد المتعاطين معها.
على هذا الصعيد، يشير تزايد الأعمال الإرهابية في البلدان الغربية إلى أن الجماعات المتطرفة تضعها على رأس قائمة أهدافها، وهي تبذل جهوداً كبيرة لتوجيه رسائل دموية قاسية في أكثر من مكان، مستفيدة من أساليب تعد بسيطة لناحية توفر الأدوات التي من الممكن أن تستهدف، من دون أن تشكل شبهة تستطيع الأجهزة الأمنية وقفها، مثل إستخدام وسائل النقل في عمليات الدهس، بالإضافة إلى الأدوات الحادة في عمليات الطعن، وهي في طور تطوير هذه الوسائل لتحقيق نتائج مؤذية كبيرة.
بالتزامن، يبدو أن العمليات الخارجية التي تنفذ عبر ما يسمى بـ"الذئاب المنفردة" ستكون موضع تنافس بين الجماعات المتطرفة المختلفة، بعد أن بات تنظيم "داعش" يسيطر على الساحة العالمية مع تراجع دور ونفوذ تنظيم "القاعدة"، الذي كان قد نجح في هزّ العالم سابقاً عبر هجمات الحادي عشر من أيلول التي إستخدمت فيها طائرات مدنيّة، حيث وجه تنظيم "القاعدة"، في العدد الأخير من مجلة "إنسباير" الخاصة به، دعوة لاستهداف خطوط سكة الحديد في الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، مقدماً دليلاً استرشادياً حول كيفية القيام بذلك باستخدام مواد يسهل الوصول إليها.
وفي هذه الدعوة، أشار التنظيم الإرهابي إلى أن هذا النوع من العمليات، الذي يستهدف وسائل النقل، يضرب إقتصاد الدول الغربية، وهو لا يتطلب وجود إنتحاريين ما يعني أن الجهة المنفذة تستطيع القيام بأكثر من عملية قبل أن يتم كشف أمرها، مع العلم أن "القاعدة" كان قد نفذ هجمات إنتحارية في العام 2005، على ثلاثة قطارات في مترو الأنفاق في لندن وحافلة ذات طابقين، وكان في العام 2004 ضرب نظام قطارات الركاب بمدريد في إسبانيا.
ما تقدم، يكشف حجم الخطر الذي يتهدد العالم من جراء ما تخطط له الجماعات المتطرفة، الأمر الذي يتطلب البحث عن وسائل جديدة قادرة على الحد منه على الأقل، نظراً إلى أن القضاء عليه بشكل كامل يتطلب إجراءات كبيرة على مختلف المستويات، السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإعلاميّة، قد يحتاج تنفيذها إلى سنوات طويلة.