ما قاله الوزير والنائب ​طلال ارسلان​ منذ ايام في ​بيصور​ يعكس حالة عامة عند الموحدين ​الدروز​ مما آلت اليه الاوضاع السياسية في لبنان وخصوصاً بعد التفاهمات التي انتجتها ​التسوية الرئاسية​. وعادة ارسلان لا يرفع "الدوز" الطائفي الى درجة التخاطب المذهبي او استعمال لغة ​بشير الجميل​ التي يستحضرها اليوم ​جبران باسيل​ ولو بأقل حدة بعد إقرار ​قانون الانتخاب​ النسبي ذي الدوائر الخمس عشرة.

ويبدو ان العصب الدرزي اليوم ممتعض من حالة التهميش التي يعاني منها اهل الطائفة وابناؤها وخصوصاً في الوظائف العامة وقال ارسلان ان كل تعيينات ​الادارات العامة​ لا تشمل الدروز الا بعدد محدود وقليل جداً كما لا يحصل الدروز في مباريات ​مجلس الخدمة المدنية​ الا على عدد قليل من الوظائف. وعلى صعيد الدولة ايضاً كالمقاعد النيابية والوزارية وهنا تختلط الحسابات في كيفية احتساب الاعداد الاسلامية بتقسيماتها السنية والشيعية والدرزية والعلوية والتقسيمات ​المسيحية​ من موارنة وارثوذكس وكاثوليك وسريان واقليات. وما قاله ارسلان اخيراً من بيصور ليس جديداً درزياً لكن المير وللمرة الاولى بدأ يتحدث "درزياً" وكأن الشارع الدرزي يحتاج الى هذا الخطاب في هذا التوقيت ويشعر انه تم الاستفراد به وخصوصاً بالنائب ​وليد جنبلاط​. فالتسوية الرئاسية الاخيرة سبقها تفاهم بين ​التيار الوطني الحر​ و​القوات اللبنانية​ وبين التيار و​تيار المستقبل​ ادى الى خلط الاوراق الرئاسية واجبر القوات والمستقبل على السير بترشيح ​حزب الله​ للعماد ​ميشال عون​ طيلة عامين ونصف. بعد تشكيل الحكومة وخلال تشكيلها ومفاوضاتها لم يحصل الدروز على اكثر من ثلاثة مقاعد ذهب اثنان منها لحصة جنبلاط فيما تولى ارسلان شخصياً المقعد الثالث واعطي حقيبة المهجرين التي يشتكي ايضاً من غياب الاموال المخصصة لتحقيق العودة الى الجبل ولنيل المهجرين حقوقهم الاولية من التعويضات. وقيل وقتها عن غبن درزي واسندت حقائب "غير دسمة" وغير سيادية الى ​الطائفة الدرزية​ مما شكل حالة من الاحتقان في صفوف الدروز اشتراكيين ووهابيين وارسلانيين.

وبعد تفاهم عون والحريري وتفاهم الحريري وجعجع وتفاهم الثلاثة معاً عون والحريري وجعجع ومعهم رابع اسمه جبران باسيل، يشعر الدروز باستضعاف جنبلاط ومحاولة اخراجه من المعادلة السياسية مع التسليم الدرزي انه ما زال الاكثر تمثيلاً للطائفة وانه ما زال قابضاً ومحتكراً للتمثيل الدرزي النيابي والوزاري والخدماتي والوظائفي فلا يمكن لاي درزي اليوم

تجاوز عتبة ​المختارة​ اذا ما اراد فعلاً ان يكون في سلك الدولة او في اي قطاع عام وحتى في بعض القطاعات الخاصة التي يرأسها دروز لجنبلاط مونة كبيرة فيها.

الحريري لم يعد يرغب ان يكون "تحت رحمة" جنبلاط وتحت "ابتزازه" كونه كان يشكل "بيضة" القبان منذ العام 1992 وطالما كان شريك الرئيس الشهيد ​رفيق الحريري​ وله مكانة خاصة عنده ولم يكن الحريري الاب يرفض له طلباً ولم يكن يجرؤ على "تزعيله" بما يملك من سطوة وتقدير عند السوريين. الحريري الابن اليوم يشعر بأنه وتحالفه مع عون وباسيل يتخلص من هذا العبء الجنبلاطي ومن كون انه لم يعد لجنبلاط هذا الدور المؤثر على الساحة السياسية وانه يريد "السترة" وتوريث نجله تيمور بأقل خسائر ممكنة وبأقل عداوات ممكنة وبأقل اعباء سياسية ومادية وامنية وعسكرية وانه لا يريد توريثه خصومته مع السوريين ولا اختلافه مع حزب الله وايران.

في المقابل يخوض باسيل وجعجع اليوم حرباً مزدوجة الابعاد فمن جهة يتقارعان في ما بينهما لتحصيل الحجم ​الاقصى​ من المنافع والمكاسب والوظائف العامة والخاصة وتحصيل الخدمات اللازمة على بعد اشهر من الانتخابات وخصوصاً في المناطق المسيحية. وفي الجزء الثاني من هذه الحرب يعتقدان ان تهميش جنبلاط وتشليحه النواب المسيحيين حق طبيعي ومكتسب لما يسمى بالثنائية المسيحية.

فالقرار المتخذ بتحجيم جنبلاط من الحريري من جهة ومن الثنائية المسيحية من جهة ثانية سينعكس حتماً على باقي الدروز من ارسلان ووهاب و​فيصل الداوود​ وبعض الدروز المستقلين وسينعكس حرماناً خدماتياً ووظائفياً وانمائياً لن يسكت عنه الدروز فإذا كانوا اقلية في لبنان فهذا لا يعني القبول بتهميشهم وهدر حقوقهم كما يجري مع اقليات كالعلويين واقليات مسيحية ايضاً فهذا يعني بقاء منهج الاستئثار والتهميش المرفوض من الثلاثة الحريري وباسيل وجعجع لا يجب ان يمارسه هؤلاء على الدروز كي لا تبقى حركة الاعتراض كلامية وهادئة لانها ستتطور في ما بعد باشكال ووجوه ثانية ولدى طوائف ومذاهب اخرى.