إذا كانَ ليس من السهل الكتابة عن تاريخِ العلويين كما قال علامتهم الشهير الشيخ سُليمان الأحمد (قدسه الله)، فإنَّ الكتابةَ عن حاضِرهم دونها صعوباتٍ، والتنظير لمستقبلهم بلا شك مُشكلة المشكلات...

عندما غابتِ الدولة ال​لبنان​ية عن واجبها تجاه مواطنيها وما زالت غائبة، وتدفع بهم للهجرة حيث لا يدري أيُّ مواطن أيَّة أرضٍ ستكون الوطن البديل عن هذا الوطن الذي باع مواطنيه في أسواق الحروب العبثية والمزاحمات الطائفية ...

عندها سيكون أيُّ إنجازٍ يحققه هذا المهاجر وراء لقمة عيشه إنتصاراً لكل معاني الكفاحِ والجهاد.

وقد حقق العلويون في بلاد ​الاغتراب​ نجاحاً باهراً، فصمدوا ثم صمدوا حتى وصلوا إلى هذا المستوى الجيد في شتى المجالات الإجتماعية والثقافية والسياسية والإقتصادية.

لمحة تاريخية

هاجر العلويون كغيرهم من أبناء الوطن، طلبا لحياةٍ أفضل وهرباً من أزمات اقتصادية وظلم وإجحاف عصف بهم عبر كل تاريخ وجودهم، إلى القارة الأسترالية، بعد أن بدأت هجراتهم إلى القارة الأميركية في مطلع القرن العشرين.

واستوطنوا بدايةً مدينة سدني في الخمسينيات من القرن الماضي أي منذ ما يُقاربُ السبعين عاماً.

ومنها انتشروا في تلك البلاد التي يصفونها ببلاد الخير والسلام، فعشقوها وأعطوها كل ولاءٍ وإخلاصٍ، فأكرمتهم بعطاءاتِها وعوَّضت لهم عن كلُّ حرمانٍ واضطهادٍ وتضييقٍ وتمييزٍ لاقوه مع آبائهم وأجدادهم في وطنهم الأم.

وازداد العدد في بداية الستينات ليتحول من هجرة فردية الى هجرة عائلية، وحتى أوائل السبعينات كانت الإعداد خجولة قياسا بعدد ​المهاجرين​ الآخرين ومن جنسيات متعددة.

وفِي ظل نظام تكافل إجتماعي عادل، وفرص عمل متعددة، ازداد عدد المهاجرين العلويين إلى إستراليا من لبنان ومن ​تركيا​ و​سوريا​.

فاستقبلتهم هذه البلاد خير استقبالٍ، وفتحت ذراعها لهم، وأشعرتهم بقيمتهم الإنسانية وساوتهم بالحقوق والواجبات، فعملوا لها ونجحوا فيها وأسسوا للمستقبل: جمعيات ومساجد ومدارس ومؤسسات تشعر كل متابع بالفخر بمن أسس وناضل.

الجمعية والحركة في ​سيدني

حتى نهاية الستينات لم يكن هناك أي تنظيم أو تجمع لأبناء الطائفة، وكان الجيل الاول من أبنائهم لم يدخل المدارس بعد، وكان همّهم تعلم اللغة الإنكليزية.

ومع بداية ​الحرب اللبنانية​ شعر المهاجرون العلويون بواجب مساعدة إخوتهم واهلهم من أبناء الوطن، وبدأت بعض التحركات الفردية لجمع التبرعات المادية، ومساعدة بعض أبناء الطائفة للهجرة الى ​استراليا​ هربا من اهوال الحرب.

في سنة 1969 تأسست الجمعية الخيرية الاسلامية العلوية بجهد جميع الشباب المهاجر، من أبرزهم: عبدالرحمٓن ومحمد الخادم، حميد بدور، احمد العرابي، منير الضاهر، صبحي حميد، ابو فواز مدرجات وأخوه رمضان مدرجات، عبدالكريم حمد، حرب ديب، احمد غريب، ابوهيثم الموعي، فاروق اسماعيل و​احمد زيدان​.

في سنة 1972 شكَّل بعض الشباب ما عُرف بكتلة شباب عكار، وأسسوا اتحادالشباب العلوي الذي تطور فيما بعد إلى "​حركة الشباب​ المسلم العلوي".

في الجمعية الخيرية كان صبحي حميد في عمدة الرئاسة وفِي حركة الشباب كان خضر عيد. وهذه الجمعية منذ تأسيسها عام 1969 قامت بواجب خدمة الشباب المهاجر، ووفرت الدعم والمساعدة لهؤلاء الذين سعوا لحياة أفضل وأكثر أمانٍ، خاصةً بعد بدء الحرب في لبنان وقد تم مساعدة عدد كبير من العلويين اللاجئين والمهاجرين من لبنان.

فكان للحركة والجميعية دور هام في الدعم السياسي والاجتماعي للمجتمع العلوي الناشئ الجديد في سيدني.

من الإنجازات الهامة في السنوات الاولى كان تأسيس الجمعية عام 1969 لأول مدرسة في سيدني تعلم الأطفال اللغة العربية والقرآن والسيرة النبوية.

والحركة أيضاً أسست مدرسة للغة والدين بالاضافة لفريق كرة القدم.

ومع قدوم الشيخ محمود مرهج رحمه الله (1930- 2009) إلى استراليا في بداية الثمانينات بدأ عمله في بناء المركز الإسلامي العلوي في منطقة ماركفيل بمساعدة الكثيرين من أمثال الشيخ محمد يوسف علي وابو طالب الدلا ومحي الدين الكحلة محمد الكحلة وسليمان عبدو.

وقد عين رحمة الله عليه الشيخ محمد يوسف علي اماماً للمركز، وما زال حتى الآن هو يتجاوز الخمسة وثمانين عاماً.. وقد أنشأ هؤلاء جميعاً عظم الله أجرهم في المركزِ مغسلاً للموتى..

مدرسة الإمام الصادق(ع)( (Al Sadiq College

في سنة 2004 فتحت الجمعية الخيرية الاسلامية العلوية بدعم كبير من كافة المجتمع العلوي و​الحكومة الأسترالية​ كلية آلامام جعفر الصادق (ع) Al Sadiq College. وللشيخ احمد الجندي الفضل الأكبر في التأسيس والنهوض بهذه المؤسسة الرائدة التي هي بصدق إنجاز كبير استطاع العلويون ترسيخه في بلدهم الجديد استراليا.

وهذه الكلية هي مدرسة نظاميّة خاصة تقدم منهاج وزارة التعليم والتربية الى جانب اللغة العربية و​الدين الاسلامي​ (5 حصص دينية) على منهج الامام جعفر الصادق(ع).

بدأ اول فوج يتخرج من المدرسة في سنة 2014، فالمتخرجون منها الْيَوْمَ في جامعات استراليّة ويدرسون الطب والهندسة والحقوق والقانون، والمحاسبة، و​العلوم​ الطبيعة وغيرها.

عدد طلابها حالياً 646 طالب وطالبة من العلويين من أصل لبناني، سوري وتركي.

يرعى إدارة المدرسة لجنة من الشباب المؤمن بالنهج واستمرارية العقيدة والهوية العلوية مع الانسجام الطبيعي والكامل في المجتمع الأسترالي. الْيَوْمَ تشهد ​الديار​ الأسترالية تكوين هويّة جديدة وهي الشخصية الأسترالية المسلمة العلوية المتصلة بلا انفصال عن جذورها وقيمها العربية.

في ملبورن

يعود فضل الحركة الاولى لعمل جماعي علوي إلى الشيخ ​محمد بركات​ والسيد محمد النشار، وبعض وجهاء الطائفة في ملبورن. ومن المؤكد ان هناك من واكب هذا التحرك في سيدني، إلى أن مَنَّ الله على أبناء الطائفة الاسلامية العلوية بزيارة الشيخ محمود مرهج(1930- 2009) الذي اقام بينهم لفترة طويلة ساهم من خلالها بإنشاء اول تجمع للعلويين باسم البيت الخيري، وأنشئ بالتعاون مع أبناء الطائفة اول مدرسة لتعليم اللغة العربية وتعليم قراءة ​القرآن الكريم​. كما ألف أول كتابٍ لعلويٍّ هناك باسم "أحكام الصلاة وسنة الموتى على طريقة المذهب الجعفري 1981".

وقد تطور هذا المشروع من بيت خيري إلى المركز الإسلامي العلوي الذي تداول رئاسته عدة شخصيات آخرها مصطفى عيدي (شقيق السيناتور خليل عيدي)، ويشتمل على مسجد ومدرسة وأصبح هذا المركز صلة الوصل بين الوطن والاهل المقيمين في استراليا.

مع إزدياد عدد المهاجرين العلويين والولادات من الجيل الاول، منهم كان لا بد من تطوير عمل المركز وتوسيع نشاطه ليشتمل على لجان ثقافية ورياضية واجتماعية.

وتحول المركز الاسلامي العلوي من مركز للنهوض بابناء الطائفة من المهاجرين الى مركز يستقطب معظم أبناء الوطن ومن مختلف الطوائف والانتماءات السياسية، ومع إزدياد عدد المهاجرين العلويين وبعد المسافات، كان لا بد من انشاء مركز جديد ليضم عدد كبير من أبناء الطائفة هو المركز الإسلامي العلوي الإجتماعي يرأسه يوسف ونّوش، الذي يوجد فيه مسجداً جميلاً.

وأخيراً تمت الموافقة على إنشاءِ ​المجلس الإسلامي العلوي​ بفضل جهود الشيخ ابراهيم عيسى (MARC) الذي نأمل له التوفيق في توحيد العلويين والسير بهم نحو مستقبل أفضل، خصوصاً وأنّنا قرأنا لرئيسه ما سرَّ خاطرنا دفاعاً عن العلويين...

في تازمانيا

هناك أيضاً المركز الإسلامي العلوي لم نستطع التواصل مع أحدهم فليعذرني.

سياسييون واقتصاديون

قدمت ​الطائفة العلوية​ الكثير في المجتمع الأسترالي بعد انسجام الشاب العلوي في هذا المجتمع، فنجح اول شاب مسلم علوي (محمد الكحلة) في انتخابات بلدية ماركفيل ومن ثم وصل إلى رئاسة البلدية. والآن سليمان إسكندر ايضاً سياسي بارع في المجتمع الأسترالي ومن المنحدرين من أصل لبناني. اعلى منصب سياسي حصل عليه أبناء الطائفة العلوية هو السيناتور في برلمان ولاية فيكتوريا السيد خليل عيدي.

الْيَوْمَ عدد المجتمع المسلم العلوي في مدينة سيدني وحدها اكثر من 25 ألف شخص.

المجتمع حي ومازال يقوم ويحيي طقوس الدين والعقيدة مع حفظ الهوية والقيم العربية الشرقية. الفضل يعود الى أهل الدين المشايخ الأفاضل والبيوت المنغمرة في حب آل البيت الكرام، والاعتقاد القوي والصلب في ضرورة استمرار نهج الولاية والمعرفة. في استراليا يتمتع العلوي بكامل حقوقه ويمارسها بكل حريّة.

من ابرز ​رجال الأعمال​ مما وصل إلينا ذكرهم هما: هاشم أحمد محمود، وعلي سلطان.

المرأة​ العلوية في استراليا

وكان للمرأة العلوية دورا بارزا في نشر العلم والثقافة ومحاولة المحافظة على العادات والتقاليد، مع الحرص الدائم على الاندماج بالمجتمع الأسترالي وبدأت بتعليم اللغة العربية ومحاولة مساعدة أبناء المهاجرين الجدد في تعليم اللغة الانكليزية.

ضياع الإنماء المنشود

مما يؤخذ على إخواننا في إستراليا عدم قدرتهم على النهوض بمجتمعاتهم الأصلية التي نشأوا منها في غياب ​الدولة اللبنانية​ عن طائفتهم، بالرغم من الكمّ الهائل من المساعدات التي يقدمونها عبر أفرادٍ معروفين.

أكبر حجتهم أنه لا توجد مؤسسة رسمية علوية ذات ثقة ترسل إليها مساعداتهم لكي تقوم بواجب استثمارها بما ينفع الفقراء والمحتاجين.

وهنا يزداد وجعنا من المجلس الإسلامي العلوي في لبنان الغائب كلياً عن أي مسؤولية تنظيمية سواء في محيطه الضيق (​جبل محسن​)، فما بالكم بالمحيط العالمي؟.

أستراليا​ أولا

وأغلب من تكلمت معهم (من الميسورين طبعاً) عن غياب دورهم في إقامة مشاريع اقتصادية، أو مؤسسات ما تفيد الطائفة في لبنان وتخفف عليهم وطاة العوز وغياب فرص العمل، أجمعوا أنهم يفضلون إقامة مشاريعهم في استراليا أولاً ترسيخاً لمستقبل أولادهم. فأين دور أغنياء الطائفة وتجارها في لبنان؟.

للأسف أيها الإخوة هؤلاء التجار سماسرة ليس فقط بالعقارات التي أغلوها على فقرائهم، وإنما أيضا مقامرون بوجود الطائفة ككل في لبنان عبر قتل أحلام الشباب في امتلاك شقة ضيقة في هذا المجتمع الضيق.

وبالنتيجة فان للعلويين في استراليا الكثير من المراكز الدينية والاجتماعية ونائب في البرلمان ولم يتعدَّ وجودهم فيها الـ70 عاماً، ونحن في لبنان قديمون قدم التاريخ فيه، من غير المسموح لنا اختيار من يمثّلنا ويرعى حقوقنا في هذا الوطن الجميل الذي عشقه العلويون وقدموا له آلاف الشهداء دفاعا عن ترابه...