ليس اصعب من الموت الا الموت نفسه، هي معادلة ليست فلسفية او جدانية انما حقيقة مرة سيذوق كأسها كل ابن آدم مهما طال عمره يوماً من الايام. ومع التسليم بقضاء الله وقدره وبالنتيجة الحتمية لكل حي وهي الموت لكن الحزن والغضب يعتريان القلوب والنفوس والعقول بالاضافة الى الم الخسارة والفقد عندما تعرف ان من تربطك به علاقة شخصية او وطنية او اجتماعية او اعلامية وسواء كنت تعرفه او لا تعرفه مات ميتة على طريقة داعش وغدراً وظلماً وعدواناً. فلم ينس اللبنانيون بعد مشاهد اعدام رفاق للعسكريين بالرصاص وذبحاً وبطريقة وحشية ولاانسانية وبغير وجه حق. نعم انه الغضب الذي يصيب النفوس ويمزقها بالحزن ان تعرف ان ايادي لبنانية خانت هؤلاء العسكريين وادخلتهم الى مسلخ داعش ليقتلوا بكل دم بارد ومن دون حول ولا قوة.

ما قيل في الايام الماضية وما سرب عن تفاصيل احداث آب 2014 يؤكد ان التخاذل السياسي والتواطؤ ضد العسكريين والجيش اديا الى تسليم العسكريين الـ32 من ​مخفر عرسال​ وثكناتها العسكرية تسليم اليد الى ارهابيي داعش والنصرة وانهم منحوا الوقت و"الطريق الآمن" لخطف العسكريين واقتيادهم الى الجرود بعدما قيل عن فرض رئيس الحكومة السابق ​تمام سلام​ على قائد الجيش السابق ​جان قهوجي​ وقفا لاطلاق النار وترك التفاوض مع الارهابيين لهيئة العلماء المسلمين التي لم تفعل شيئاً سوى ان سلمت العسكريين بدورها الى داعش والنصرة من منزل ابو طاقية كما لا يمكن إغفال دور كل من ابو عجينة او رئيس ​بلدية عرسال​ السابق ​علي الحجيري​ في هذه الحادثة.

وبطبيعة الحال لم يتصرف قهوجي من رأسه ولم يعط تمام سلام اوامره من رأسه ايضاً فهناك من كان يصرخ ويولول في اذن سلام وهناك من طلب منه ايقاف المعركة وعدم المس بارهابيي داعش والنصرة. وحتى ما قبل بداية معركة الجرود بنسختها الاولى في ​جرود عرسال​ كان هناك في لبنان من يراهن على غرق ​حزب الله​ والمقاومة في شراك النصرة وخوض الحزب معركة استنزاف طويلة ومنهكة مع النصرة واعتبار ان الحاجة لبقاء النصرة وايجادها من الاساس في جرود عرسال منذ العام 2012 كان الضغط على حزب الله و​الجيش السوري​ وارباك الداخل اللبناني بما اقترفته ايادي التكفيريين من تفجيرات بسيارات مفخخة وانتحاريين.

تراجع المشروع الاميركي- السعودي- الاسرائيلي في المنطقة بأسرها من ​اليمن​ الى ​العراق​ فسورية بدأ يكشف حجم التآمر وحجم المؤامرة وحجم ما اعد وخطط له طول اعوام لضرب محور المقاومة والممانعة منذ تموز من العام 2006 والتحضيرات مستمرة لحرب طائفية ومذهبية في سورية والمنطقة ستجعل منها بحور دماء بين السنة والشيعة وسيموت مئات الالاف من العراقيين والايرانيين والسوريين واللبنانيين في حرب وسخة وقذرة وسيستنزف كل هذا المحور ويدخل في آتون حرب لا تنتهي.

هذا التراجع كشف في لبنان شركاء هذا المشروع المعادي للمقاومة ولكل لبناني شريف وكشف كل من راهن على التكفيريين لاسقاط ​بشار الاسد​ ولانهاء حزب الله وسهل وأمّن ودافع ووفر الغطاء السياسي لهؤلاء الى درجة تكبيل الجيش والاجهزة الامنية وابقاء عناصر المؤسسات وابناء الدولة اسرى في يد الارهابيين.

فلو تأمن الغطاء السياسي للجيش في آب 2014 كما تأمن منذ ايام في معركة ​فجر الجرود​ لكان عاد العسكريون الينا والى اهلهم سالمين وغانمين ولم تدقهم شوكة وكان الارهابيون هم من دفنوا في تلك الحفر او ما زالوا يقبعون في سجون الدولة بعد محاكمتهم.

اليوم وبعد ان انكشف هول الكارثة والمأساة التي افضت الى استشهاد العسكريين بوحشية وبغدر لا يوصف وجب ان يحقق في ما جرى في آب 2014 وان تشكل لجنة وزارية ونيابية بصلاحيات عالية لتحديد المتورطين والمرتكبين وإحالتهم الى القضاء بتهمة الخيانة العظمى والتسبب بمقتل العسكريين والتعويض المادي والمعنوي لاهلهم ولكل لبناني تضرر من سياستهم المشبوهة.