إذا كان حدث بحجم ما جرى في الجرود لم يوحّد اللبنانيين، فليس هناك ما يوحّدهم على الإطلاق. ان يحقق جيشنا هذا الإنتصار الكبير على »داعش« في ظروف طبيعية جغرافية هي الأصعب في منطقة انتشار هذا التنظيم الإرهابي (...) وان يحقق النصر في ثلاثة أيام قتال، (والخبراء العسكريون والاستراتيجيون يجزمون بأن النصر تحقق في الساعات الثلاث الأولى من المواجهة في ​جرود القاع​ و​رأس بعلبك​) فهذا حدث كبير بالمقاييس كلها، وهو لم يكن نصراً للجيش الذي حققه وحسب بل هو نصرٌ للبنان.

لم يسعَ قائد الجيش، العسكري المثالي، الى تجيير هذا النصر في الصراع السياسي ولا في الطروحات السياسية، خصوصاً لم يجيره لنفسه في المطامع السياسية. إنما تصرّف بالروحية الجندية المنزّهة عن الغايات والأهداف الشخصية، محققاً نصراً كبيراً للبنان اشتقنا إليه منذ أمدٍ بعيد.

وغير مسموح تحت أي ذريعة أو حجة أو داعٍ ان يذهب هذا الصراع الحاد (الكلامي حتى إشعار آخر) حول ما جرى في تلك الأيام السود من مطلع شهر آب 2014 الذي أسفر عن جريمة ترك الإرهابيين يخطفون الجنود في الجيش وعناصر قوى الأمن الداخلي ويصحبونهم معهم بعد وقف إطلاق النار المشبوه... نقول ليس مسموحاً ان يذهب هذا الصراع الى التوظيفات في السياسة الداخلية وفي المصالح الآنية والذاتية.

نعترف بأننا كنّا أول من أثار القضية في هذه الزاوية من قبل أن تبدأ معركة الجرود. ولكننا أثرناها ليس من منطلق تسجيل النقط، إنما من منطلق إجراء تحقيق شفّاف ينتهي بوضع النقط على الحروف، كي لا يُقفل هذا الملف على زغل.

وأول من أمس، وأمس أيضاً قلنا، ونكرّر القول اليوم: لسنا نحمّل المسؤولين السياسيين في السلطة، أي مسؤولية عمّا حدث في ذلك اليوم الأسود، والذي كشفت التطورات المستجدة طوال ثلاث سنوات مدى سواده المدلهم:

أولاً - السلطة السياسية (رئيس الوزراء ووزير من هنا ومدير من هناك) ليسوا خبراء عسكريين. هذا إذا كان صحيحاً أن الرئيس ​تمام سلام​ قد أصدر أوامر أو تعليمات (وأمس أسميناها رغبة) الى قائد الجيش آنذاك ​العماد جان قهوجي​ بوقف إطلاق النار.

ثانياً - كان على قيادة الجيش، في حينه، ان تتخد قرارها في ضوء التطورات والمستجدات... وهي مَن يتحمل المسؤولية عن مفاعيل قرار وقف إطلاق النار وما لحق بالعسكريين الأبطال من عاد منهم حياً ومن إستشهد في سبيل لبنان.

ثالثاً - لم يصدر عن العماد قهوجي ما يؤكد أو ينفي أنّه حذّر في مجلس الوزراء من سقوط ألف قتيل في عرسال إذا تواصلت المعركة:

أ - العميد الخبير نزار عبد القادر أكّد انه ما كان ليسقط أي قتيل لأن الجيش كان بإمكانه أن يحكم الطوق فيحاصر الإرهابيين داخل عرسال حتى الإستسلام.

ب - العميد الخبير ​شامل روكز​ قال ان المعركة كانت حُسمت في الساعات الأولى لمصلحة الجيش بخسائر محدودة جداً. وهذا ما أكّد عليه الخبراء العسكريون قاطبة.

لذلك نحن ندعو الى تحقيق وطني - عسكري... ونؤكد على أن الجيش إنتصر في الجرود فانتصر به لبنان.