حين صدر قانون ​سلسلة الرتب والرواتب​ وقانون الضرائب، صدرا متلازمين وفي ملحق واحد في الجريدة الرسمية، ولهذا التلازم مغزى، فلا سلسلة من دون تمويل، ولا إمكانية لتمويل في الظروف الراهنة من دون ضرائب، فالقانونان إما يدخلان حيِّز التنفيذ معاً، وإما تكون هناك مشكلة في حال نفاذ الأول وعدم نفاذ الثاني من دون بدائل منه.

قبل صدور القانونين كان هناك تهيب وتهويل منهما:

الهيئات الإقتصادية​ تخوفت من مضاعفاتهما مع بدء تنفيذهما، وذلك للأسباب التالية:

الأعباء الضريبية لا يتحمَّلها اقتصادٌ متصدِّع يعيش على الداخل، بعدما سُدت في وجهه موارد الخارج. هكذا تكون الضرائب كلحس المبرد.

الضرائب لم تُقابَل بتشدد في مراقبة الأسعار، فأفلتت من كل ضوابط في غياب الهيئات المراقِبة، من ​مصلحة حماية المستهلك​ وغيرها، فارتفعت الأسعار أضعافاً مضاعفة من دون حسيب أو رقيب.

كما تبين أنَّ السلطة عاجزة عن ممارسة أية عملية في ضبط الأسعار في المحلات والمتاجر والسوبر ماركت، ما أدّى إلى ارتفاع عشوائي وفوضوي هائل، وكانت الإصابات الأولى في صفوف المواطنين محدودي الدخل والمواطن الفقير في معيشته اليومية.

وفي الموازاة، استمرَّ الهدر وكأنَّ شيئاً لم يكن، خصوصاً لجهة الإنفاق غير المجدي، كما تواصل تركيب الصفقات القائمة على السمسرات ونتيجتها اهدار المال العام.

ثم جاءت مسألة أقساط المدارس فارتفعت ارتفاعاً جنونياً، فيما وزير التربية يسابق الوقت ويحثُّ الهيئات المعنية على ضبط الأسعار.

في هذا الجو، تمكَّن رئيس ​حزب الكتائب​ النائب سامي الجميل من تقديم طعن في قانون الضرائب أمام ​المجلس الدستوري​، بعدما نجح في جمع عشرة تواقيع لعشرة نواب، خمسة نواب هم كتلة نواب الكتائب، والنواب سليم كرم، فؤاد السعد، خالد الضاهر، دوري شمعون، بطرس حرب.

قبل حيثيات الطعن ماذا في المدلولات السياسية لكل نائب، غير نواب الكتائب؟

توقيع النائب سليم كرم، من كتلة سليمان فرنجيه، المشارِك في الحكومة، يعني أنَّ تيار المردة يُمسِك العصا من منتصفها:

فهو مع الحكومة في القرارات الإستراتيجية، لكنه في موضوع الضرائب يقف إلى جانب الناس بعدما لمس أنَّ الأكثرية الساحقة تعارض الضرائب، ولهذا فإنَّ النائب الذي وقَّع يقول:

الضريبة ضد الشعب ونحن نمثل الشعب وعلينا أن نحمي الشعب من أي ضرر، والضرائب التي وضعت تزيد الفقر عند الناس.

النائب فؤاد السعد يعكس مزاج النائب وليد جنبلاط الذي انتقد أكثر من مرة مسألة الضرائب، وفي إحدى التغريدات قال:

قبل السلسلة وقبل الموازنة، عالجوا أرقام الهدر الهائلة، وبالمناسبة سكة الحديد متوقفة منذ خمسين عاماً.

النائب خالد الضاهر يعكس المزاج العام لأبناء الشمال، وهو وإن كان في ​تيار المستقبل​ فإنَّ موقفه لا يعكس موقف قيادة هذا التيار.

النائب دوري شمعون، ومن خلال توقيعه، يقف إلى جانب رئيس ​الحزب التقدمي الإشتراكي​، وللتذكير فهو نائب عن منطقة الشوف، كما أنَّه ليس ممثلاً في الحكومة وله هامش كبير من التحرك.

النائب بطرس حرب كان أعلن أكثر من مرة أنَّه سيكون آخر الموقِّعين، وحين تتوافر تسعة تواقيع سيكون هو العاشر، وهذا ما حصل.

ماذا بعد؟

ومن هنا إلى أين؟

المجلس الدستوري تلقف كرة الطعن فأصدر قراراً بوقف تنفيذ قانون الضرائب لدراسة الطعن بالشكل والمضمون.

وقرر المجلس عقد جلسة في ١٥ أيلول المقبل لمناقشة الطعن ويعقد في ١٨ منه جلسة مفتوحة لأخذ القرار.

حتى ذلك التاريخ، لا بد من الأخذ بعين الإعتبار بعض المعطيات الرقمية عن الأوضاع المالية اللبنانية:

هناك انخفاض في الودائع التي يودعها ملايين المغتربين اللبنانيين في البنوك المحلية. هذا الإنخفاض يؤثر سلباً.

الفوائد على الدين في العام 2016 التهمت نحو 48 في المئة من إجمالي إيرادات لبنان ارتفاعاً، من 38 في المئة عام 2014.

البلد اليوم أمام الواقع التالي:

السلسلة أصبحت قانوناً نافذاً.

قانون الضريبة تمّ تعليق العمل به بدءاً من أمس وحتى البت به نهائياً.

هناك وعود باقتراحات قوانين معجلة مكررة لتعديل بعض الضرائب.

فهل تنطلق الورشة قبل تفاقم الأوضاع؟