لنعترف بأن هناك شيئا ما يرن كما يقول المثل الفرنسي السائر. وبأن هذا «الشيء ما» يزداد رنيناً ودوياً بما يهدّد التسوية السياسية الكبيرة التي أسفرت عن ملء ​الفراغ الرئاسي​ في لبنان، على أمل أن يستمر التوافق حقبة غير قصيرة من عهد الرئيس العماد ​ميشال عون​... إلا أن الواقع يشير الى أن مرحلة التهدئة التوافقية مرشحة للإنتهاء باكراً جداً، إذا قسنا الأمور بمقياس هذا الضجيج الذي يملأ الشارع السياسي والشعبي أيضاً، والذي ينذر بعواقب وخيمة.

بداية نود أن نشير الى أنّ ثمة «شغلاً» دؤوباً لضرب علاقة السمن والعسل القائمة بين رئيس الجمهورية ورئيس ​مجلس الوزراء​. فلقد اعتاد القوم على أن يكون بين ركني السلطة شرخ مقيم. حتى إذا تمكن عون والحريري من تجاوز هذا الشرخ، أصيب الكثيرون بخيبة أمل لأن رهاناتهم خاسرة.

ولكنهم لم يستكينوا. فهم يسعون نهاراً جهاراً للبحث عن أي عنصر من عناصر الإختلاف ليضخّموه، ويبنوا عليه، علّ وعسى تتراكم الإشكالات فالمشكلات فالخلافات...

ولقد نجح رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، حتى الآن، في تعطيل الفتيل، وفي تحويل السلبيات الى إيجابيات، وإنشاء علاقة في ما بينهما لحمتها التفهم وسداها التفاهم، ما زاد من شحن الغيظ والحقد في قلوب سود لم ترَ الى السياسة إلاّ مناكفات واعتراضات وانتقادات وحتى خلافات.

وفي التقدير والمعلومات كذلك أنّ الرئيس عون وكذلك الرئيس الحريري عرفا كيف يرسمان حدوداً صارمة أمام المشاغبين وربما أيضاً في وجه المتضرّرين من طيب العلاقات سواء أكانوا محليين أم خارجيين، أم أكانوا حتى من المقرّبين وبعضاً من فريق عمل هذا الرئيس أو ذاك.

ونحن من الذين يدرجون الأزمات المتفاعلة في الآونة الأخيرة في هذا السياق، إضافة الى سياق آخر هو ​الإنتخابات النيابية​ العامة المقبلة المقررة في ربيع العام 2018 المقبل. وبعض الذين يهيئون أنفسهم لخوض معمعة الإنتخابات لا يجد له قدرة إلاّ في زرع الشقاق. وبعضهم الآخر لا يرى حظه متوافراً إلاّ في إحياء الفتنة الطائفية والمذهبية. وبعضهم الثالث يبحث بالفتيلة والسراج عن الأزمات. وسواهم يلجأ الى الكذب والنفاق وتلفيق الشائعات وبثها عبر وسائط التواصل الإجتماعي، وما أكثرها وما أقل معيار الصدقية فيها.

كما أننا من الذين يحذّرون من تمادي المتضررين في غيّهم من أجل حسابات ليس ما يثبت، منذ اليوم، انها صائبة... ذلك أنّ قاعدة الإستقرار، في هذه المرحلة، هي تعزيز التفاهم (ونأذن لنفسنا أن ندّعي أنه تحالف) القائم بين فخامة الرئيس ودولة الرئيس مشفوعاً بتعاون فعّال مع رئيس مجلس النواب دولة الرئيس نبيه بري... فالصعوبات المعروفة وغير المعروفة من شأنها (إن لم يتم التغلّب عليها) أن تهدّد لبنان جدياً. ولا يفوتنا في هذا المجال أن نحذّر من إمكان تحريك «الخلايا النائمة» رداً على الإنتصار العسكري الكبير على الحدود... وعندئذ لن يضع أحد غطاء فعّالاً فوق رأسه ليقيه شرّ التداعيات.