في ​لبنان​ ثمة مَنْ لا يريد الاتعاظ من التاريخ، ولا التعلم من التجارب المرّة التي كلفت اللبنانيين الكثير من الدماء. ما زال البعض يضيّق على نفسه من خلال تكريس الكيانية التي أسّسها الاستعمار الفرنسي بكلام عاجي لا صلة له بحقائق الجغرافيا ومعطيات الاجتماع والحياة. كيانية لا تتجاوز مساحة الجماعة التي يأنس إليها هذا البعض ويتفاخر بقيمها. كيانية تريد قطع الصلة بسورية بوابة الشرق وطريق المستقبل.

فقد سمعنا مؤخراً عن احتفالات بذكرى تأسيس لبنان الكبير. عادة الاحتفالات تُقام بمناسبة التحرّر من الاستعمار لا الاحتفاء بما فعله وكرّسه الاستعمار! لكن في لبنان هناك مَن لا يزال يطرب للاستعمار. يدركون بأنّه لا قيمة لهم إلا على دبابة فرنسية أو «إسرائيلية». هؤلاء يريدون إعادة العمل بنظام المستعمر القديم والجديد الذي ملأ منطقتنا بالفتن والحروب والصراعات وقسّمها حتى يسهل بلعها.

وأمام هذه الحماسة الخرقاء ينمو هذا الهوى الأرعن. هوى بشير الجميّل بعمالته المفضوحة للكيان الصهيوني، وكلّ من يريد أن يتباهى بعبقريته السياسية باحتقار العلاقة مع سورية والتكامل معها من باب الأخوّة والجيرة والإرث الحضاري والاجتماعي المشترك والمصالح التي لا يمكن التغافل والتغاضي عنها بدفن الرؤوس في رمال الأوهام!

نعم، نحن ندعو إلى أوسع العلاقات مع سورية. بل أدعو سيادة الرئيس الدكتور ​بشار الأسد​ وأمام موجة القطريات والمذهبيات والعرقيات البغيضة، وأمام النزعة الكيانية الجديدة التي تخرج من بعض المترفين والفارغين في لبنان، إلى إعادة النظر بطريقة حركة الانتقال من لبنان إلى سورية. مشروع هؤلاء مكشوف. إقفال الحدود مع سورية والترويج لعلاقة مفتوحة وتطبيع كامل مع «إسرائيل». فلماذا لا نفعل العكس لنجعل العلاقة مع سورية مفتوحة، ولتكن العلاقات علاقات شعبية واجتماعية واقتصادية من أوسع الأبواب. ولتُذلّل كلّ الحواجز التي تمنع حركة نقل الأشخاص والبضائع إلى داخل سورية. نعم المطلوب مراعاة الجوانب الأمنية، ولكن ليكن الردّ على التقسيميّين والمستعمرين الجدد بكسر العوائق أمام اللبنانيّين للدخول إلى دمشق قلب الشرق وقلب المقاومة العربية وقلب التاريخ العربي.

كنّا خلال سبع سنوات تقريباً أمام تحديات وضغوط قاسية، كان يُراد من خلالها قطع التواصل البشري والاقتصادي والسياسي بين لبنان وسورية، ولكن إرادة الشعب في لبنان وسورية كانت أقوى من مؤامرات الأعداء والقوى اللبنانية التي مالت إلى إنكار كلّ إحسان قدّمته سورية. يجب أن تعلم هذه القوى اليوم أنّ إرادة التاريخ والجغرافيا لا تتقيّد برغبات وأهواء وعنجهيات خاصة، والزمن المقبل كفيل بتظهير هذه الحقيقة. إنّ دعوة الكيانيين أشبه بالتطبيل والتزمير للاستعمار والصعود في أبراج عاجية يترنّم دعاتها بأقاويلهم وخطبهم الانطوائية التي لا توصل إلا إلى مستنقع موحل. بيد أنّ المطلوب أن نواجه بشجاعة وجرأة تتناسب وطبيعة التحديات الدولية والإقليمية، وبمبادرات تُحدث قفزة نوعية في علاقة الدولتين. إنّ أحد أهم وجوه المقاومة اليوم هي في علاقات قوية مع سورية. علاقات لها منطق المقاومة وشراكة المقاومين وتطلعات محور المقاومة. فهل نرى ذلك؟

الجواب في عهدة الرئيس الأسد!