مهما تعددت الظروف وتغيّرت الاحوال وطال الوقت، لا يمكن التخفيف من وقع ما حصل في الثاني من آب 2014، فخطف العسكريين والهروب بهم خارج ​عرسال​ وقتلهم بعدها ليتم اعلانهم شهداء على مذبح الوطن، امر ليس بالعادي لا يجوز المرور عليه مرور الكرام لانه هدف في لحظة معيّنة الى احباط ​الجيش اللبناني​ ومعنوياته مع كل ما يعنيه ذلك من آثار سلبية على الوطن.

اليوم، دعا رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ الى فتح تحقيق بالموضوع، واللافت في المسألة انه ما ان اعلن هذا الموقف حتى تشعّبت الاتهامات والردود عليها، من هنا الحاجة الى العودة الى الواقع والمنطق. يقول الرئيس عون انه لا يهدف من جراء فتح التحقيق الى ادانة بريء او تبرئة الجاني، انما احقاق الحق. ويمكن الاعتداد بهذا القول للتأكيد على ان المسألة تحتمل الكثير ويمكن وضع اطار محدد لها يرتكز الى الآتي:

-لا يمكن لوم المسؤولين السياسيين واتهامهم لانها امور خارج صلاحيات ​المحكمة العسكرية​، وبالتالي ليس الهدف توسيع "البيكار" بقدر ما هو حصره بنطاق محدد. ولكن الناس التي لم تكن تفاهم وتنسيق مع المسؤولين في الفترة السابقة، توجهت مبارة الى الاتهامات بحق من كان في السلطة السياسية والعسكرية في ذلك الوقت، بغض النظر عن "براءتهم" او "تقصيرهم".

-من المهم إشعار ضباط وعناصر الجيش اللبناني بأن معنوياتهم بعد عملية "​فجر الجرود​" ليست موضع مفاوضة او محاولة تقليل لاهميتها، وانه من المهم بعد اعلان الفوز وما يثار جوله بين مؤيد ومعارض لاتفاق انسحاب المسلحين، ان يبقى الجيش خارج الحسابات السياسية وان يتم التعرف على الصورة الواضحة للعمليات العسكرية التي حصلت وادت الى استشهاد العديد من عناصر الجيش. وبمجرد الاعلان عن فتح تحقيق، فإن الامر ترك انطباعاً جيداً لدى الناس، مفاده ان التعرض للمؤسسة العسكرية لن يكون سهلاً بعد اليوم.

-ان التحقيق وبعد التأكيد على انه لن يصل الى السياسة والسياسيين، من شأنه ان يدين بعض الاشخاص المدنيين في عرسال وخارجها وقد بدأ الجيش في "اصطياد" بعض هؤلاء ومنهم ​علي الحجيري​ (وفي وقت لاحق ربما "ابو طاقية")، في خطوة قد تحد من موجة الثأر وتعيد الاستقرار الى المنطقة بين الاهالي وتوفّر على الجيش هماً اضافياً على الصعيد الامني.

-قد تضيء التحقيقات على الواقع الذي كان يعيشه الجيش اللبناني في ظل النقص في العتاد والتجهيزات من جهة، والضغوط السياسية التي مورست عليه من جهة ثانية في ظل الحالة السياسية المتفلتة التي عاشها لبنان في ذلك الوقت، والخوف من اندلاع مواجهات طائفية بين السنّة و​الشيعة​ وسط تصاعد التوتر بين السعودية و​ايران​.

-من المستبعد تماماً ان تفضي التحقيقات الى ادانة قيادات عسكرية، وقد يحصل ان يقع اللوم على بعض الضباط لعدم الجدية في تعزيز مراكز الجيش قبل حصول الهجوم على مراكزه وخطف عسكرييه، والى التردد في اتخاذ القرارات التي كانت ربما ستغني عن الوصول الى الحالة التي وصلنا اليها وادت الى العواقب التي تمنى الجميع تفاديها.

في المطلق ومن باب المنطق، بدأ الكثيرون يبنون توقعاتهم وافكارهم حول ماهية التحقيقات وما ستسفر عنه، حتى انهم بدأوا بإدانة اشخاص لا يعنيهم موضوع التحقيقات من الناحية القانونية والدستورية، فيما الواقع يقول ان هذه التوقعات والافكار لن تجد طريقها الى الحقيقة وستبقى في اذهان من يرغب فيها فقط. اما الادانات للسياسيين وغيرهم فلا دليل بعد على تورطهم في الموضوع، وليس في وارد اي من المسؤولين السياسيين الحاليين بدءاً من رئيس الجمهورية، فتح باب الصراع مع الاحزاب والتيارات التي ستقف الى جانب من سيسمونهم (لو قدّر ان يتم ذكر اسماء كبيرة)، لذلك من المرجح ان تقتصر الامور على تسمية اسماء بعض الضباط الذين سيعاقَبون بسبب الاهمال على ابعد تقدير.