يستقطب إصرار رئيس ​الحزب الديمقراطي الكردستاني​ ​مسعود البرزاني​ على إجراء الاستفتاء في ​إقليم كردستان​- ​العراق​ على الاستقلال عن العراق وإعلان قيام دولة كردية مستقلة، يستقطب اهتمام دول المنطقة والعالم، لاسيما دول جوار العراق والدول الكبرى، لما لهذا الأمر من انعكاسات وتداعيات على مجمل الوضع في المنطقة الملتهبة بالصراعات المستمرة منذ الغزو الأميركي الغربي للعراق عام 2003، ومن ثم انتشار ​الإرهاب​ والفوضى وهي أسلحة أميركية لإيجاد الظروف والمناخات المواتية لفرض هيمنتها الاستعمارية على الدول العربية عسكريا وأمنيا، ومن ثم اقتصاديا وسياسيا بحيث يتحقق هدف الشركات الرأسمالية الأميركية والغربية في السيطرة على ثروات النفط والغاز وبالتالي التحكم بأهم وأكبر مخزون من موارد الطاقة في العالم، وصولا إلى تعويم مشروع الهيمنة الأميركية على العالم ومنع ولادة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب.

من المعروف أن واشنطن هي من دعم الأحزاب الكردية المسيطرة في ​شمال العراق​ ومكّنها من بناء مؤسسات حكم وقوات مسلحة مجهزة بالأسلحة الأميركية حتى أصبحنا أمام اكتمال لكل عناصر الدولة من برلمان وحكومة وقوات مسلحة وموارد مهمة متأتية من النفط المتوافر في شمال العراق ويجري استثماره لتعزيز وتقوية هذه المؤسسات، مما نمى وغذى الطموحات والتطلعات الكردية بإقامة ​الدولة الكردية​، لاسيما وأن العراق اليوم غارق في أولوية محاربة داعش وغير قادر على التفرغ لمواجهة هذا التوجه الكردي.

غير أن هذا الطموح الكردي المراد بلوغه من وراء تحديد موعد لإجراء الاستفتاء في 25 سبتمبر الجاري قد لا يكون ممكنا بلوغه حتى ولو تم إجراء الاستفتاء وجاءت نتائجه مؤيدة للانفصال عن العراق وإعلان قيام دولة كردية مستقلة، لا بل يمكن القول إنه قد يكون مستحيلا بسبب العديد من العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي لا تدعم تحقيق هذا الهدف الكردي، وهذه العوامل تتجسد بالتالي:

أولا: رفض جميع الدول المحيطة بإقليم كردستان– العراق الموافقة على الاستفتاء واستعدادها للقيام بكل ما لديها من قدرات لإحباط وإجهاض أي خطوة جدية للإعلان عن قيام دولة كردية بنتيجة الاستفتاء، وهذه الدول هي العراق و​تركيا​ وإيران وسوريا، وهي جميعها مجاورة لإقليم ​كردستان العراق​ ويوجد على أراضيها أكراد يقيمون في المناطق المحاذية لإقليم كردستان مما قد يغذي ويقوي النزعة الاستقلالية لديهم. ومعروف أن أكراد سوريا يحاولون الاستفادة من الأزمة والدعم الأميركي الآني لهم لإقامة كونفيدرالية كردية في شمال شرق سوريا وهو ما ترفضه الدولة السورية بقوة، في حين أن تركيا أعلنت عن عزمها شن الحرب ضد ​البشمركة​ الكردية إذ ما تم الإعلان عن الكونفيدرالية لأن قيامها يهدد وحدة تركيا، فكيف والحال مع السعي للاعلان عن اقامة دولة كردية، وفي هذا السياق عمدت كل من إيران وتركيا إلى التنسيق المشترك للتصدي لمحاولة الإعلان عن قيام مثل هذه الدولة وهو ما تمثل في زيارة رئيس أركان الجيش الإيراني إلى تركيا واجتماعه مع نظيره التركي ومن ثم تلميح الرئيس التركي رجب أردوغان لـ خطوات تركية إيرانية مشتركة للتصدي لأي خطوة كردية من هذا النوع. بالمقابل أعلنت الحكومة العراقية رفضها إجراء مثل هذا الاستفتاء الذي يهدد وحدة الأراضي العراقية ويعتبر خطوة منفردة ومخالفة للدستور.

ولهذا فإنه من الصعب رؤية دولة كردية قادرة على الحياة إذا لم توافق على إقامتها الدول الأربع المجاورة لها. فهذه الدول قادرة على خنقها ومنعها من الحياة.

ثانيا: الولايات المتحدة التي تدعم الأحزاب الكردية لا تؤيد ولا تشجع السير بالاستفتاء لأن مصالحها ومخططاتها في العراق تتطلب أن يبقى إقليم كردستان جزءًا من العراق يتمتع بحكم ذاتي وله تمثيل وازن داخل مؤسسات الدولة العراقية، البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية، مما يشكل حصان طروادة لواشنطن قادرة من خلاله على مواصلة التدخل بالشأن العراقي الداخلي لمنع العراق من الذهاب بعيدا في نهج مستقل عن أميركا وسياساتها. إن استمرار الحضور الكردي في قلب مؤسسات الدولة العراقية يشكل مصلحة أميركية ويصب في سياق السعي الأميركي لإعادة نسج تحالفات كردية عراقية على أبواب الانتخابات النيابية المقبلة للإتيان بكتلة وازنة في البرلمان قادرة على أن تستند إليها واشنطن للحفاظ على نفوذها في الداخل العراقي وإثارة الاضطراب والانقسام السياسي كلما اقتضت مصالحها ذلك.

ثالثا: روسيا أعلنت على لسان وزير خارجيتها سرغي لافروف في حديث أدلى به لقناة رووداو الكردية، أن موسكو تنظر إلى الاستفتاء على أنه «تعبير عن تطلعات الشعب الكردي»، وأنه يحظى بدعم أغلب السكان، لكنه أمل في «أن يؤخذ في الحساب عند اتخاذ القرارات النهائية ما يترتب على هذه الخطوة من نتائج سياسية، وجيوسياسية، وديموغرافية واقتصادية، من مبدأ أن المسألة الكردية تتجاوز حدود العراق الحالية، وتؤثر في أوضاع عدد من الدول الجوار. وللمسألة الكردية دور كبير ومكانة بارزة في إطار عملية تسوية الأزمات القائمة في المنطقة حاليا».

ومن الواضح ان الموقف الروسي كان أكثر دقة في مقاربة الحديث عن الاستفتاء عندما دعا أربيل للانتباه إلى النتائج المترتبة على استفتاء الاستقلال، وكأنه يقول: النتيجة شيء والقدرة على تطبيقها شيء آخر، فهناك دول الجوار التي لها كلمتها الفصل في الموضوع.

اذا كانت كل هذه العوامل تؤشر إلى صعوبة أن تؤدي نتائج الاستفتاء إلى خروج الدولة الكردية إلى النور، فإن الاصرار على ذلك سوف يثير مشاكل كبرى في وجهها من الصعب تخطيها، بل سيقود إلى عواقب سلبية متعددة على اقليم كردستان، ما يعني أن المسألة لا يمكن أن تتم عبر فرض الأمر الواقع، وأن ايجاد حل عادل للقضية الكردية يلبي تطلعات الشعب الكردي لا يمكن أن يتم بمعزل عن الاتفاق مع دول وشعوب المنطقة، فحتى ولو غيرت واشنطن موقفها ودعمت استقلال كردستان العراق فإن ذلك لن يغير من الواقع شيئا.لأن أميركا دولة خارجية ولها مطامع استعمارية وتريد استغلال القضية الكردية لتحقيقها. فليس من مصلحة الأكراد الاعتماد على دعم أميركا وإثارة حفيظة دول وشعوب المنطقة التي لا يمكن أن ينالوا حقوقهم من دون كسب تأييدها.

لهذا فإن اجراء الاستفتاء والاصرار على تطبيق نتائجه باعلان الاستقلال قد يتحول إلى مأزق للأحزاب الكردية المسيطرة في اربيل يحول الاستفتاء إلى مشكلة للأكراد بدلاً من أن يكون حلاً لقضيتهم