الرئيس ​نبيه بري​ شخصيّة وطنية بارزة، وهو صاحب دور مهم جداً في السياسة اللبنانية، وفي مسار الأحداث منذ أن بدأ زعيماً لحركة «أمل» الى أن استقر زعيماً وطنياً كبيراً معترفاً بزعامته من الأطراف الداخلية كلها. وهو في نظر أطراف عديدة صمّام أمان، وقادر على إمتصاص المشاكل واستيعاب الأزمات... وطبعاً هو قادر على تدوير الزوايا. وهذه ميزة ليست في مقدور الكثيرين ممن يتعاطون السياسة والعمل الوطني عموماً. أضف قدرته على الإستمرار في الموقع الكبير رئيساً ل​مجلس النواب​ طوال ربع قرن من الزمن بتزكية وبإجماع... ثم ليس قليلاً (ليس قليلاً على الإطلاق) أن يبقى بهذين الحضور والدور، وبتلك الفاعلية في وقت بلغ حزب اللّه حضوره ودوره الكبيرين داخلياً وإقليمياً ودولياً... ولم يأتِ ذلك على حساب أبي مصطفى.

وهذه المزايا كلها لم تحل دون الرئيس نبيه بري واللجوء الى إستخدام بعض التعابير بالغة الأهمية والدقة والخطورة أيضاً منذ أن تبين أن سفينة ​رئاسة الجمهورية​ سترسو في مرفأ الجنرال ​ميشال عون​. فبدأ دولته يتحدّث عن (ويحذر من) التقسيم والحرب الأهلية... وكان ذلك (ولا يزال) كلاماً كبيراً جداً.

ومنذ أن إتخذ موقفه الحاد ضدّ وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، إزداد إرتفاع مستوى الحدة في كلامه. بدليل ان الإشتباك بين الزعيمين يكاد يكون على كل كبيرة وصغيرة. والدليل البارز ما يظهر من تفاوت وتباين وحتى من إختلاف حول معظم الأمور والقضايا والمسائل والمشاريع التي تعرض على جلسات مجلس الوزراء بين ممثلي «أمل» و«التيار الوطني» .

ولم يكن ينقص الرجلين مادة إضافية للخلاف الى أن بدأت السلسلة. ولا يعرف أحد، حتى الآن، لماذا أصرّ الرئيس نبيه بري (ولا يزال يصرّ) على إعتبار قضية السلسلة مسألة شخصية. ربّـما لأنه قطع عهداً بإنجازها. ويومها كتبنا في هذه الزاوية نبشّر بإنجازها قريباً لأن دولته قد تبناها وهو ما تبنّى قضية إلاّ سار بها الى الآخر.

ولكن، أمام العراقيل التي إنتصبت في وجه التمويل وقانون ​الضرائب​ طلع الرئيس عون بضرورة إعادة القانون الى مجلس النواب لإطلاقه عبر ​قانون الموازنة​. وهو المبدأ القانوني - الدستوري الذي عاد فتبناه ​المجلس الدستوري​.

ولم يتقبل الرئيس بري هذا الأمر وقال كلاماً، آخر، كبيراً! قال: «ما يحصل تجرؤ على مجلس النواب واعتداء على صلاحيات رئيسه وخرق لإتفاق الطائف». وهذا الكلام الكبير لم يقل المسيحيون مثله عندما لم يمش («الدستوري») في الطعن الذي تقدم به رئيس الجمهورية السابق العماد ​ميشال سليمان​ ضد ​التمديد​ للنواب.

فهل ان المجلس الدستوري يمكنه ان لا يتجاوب مع موقف دستوري (سليم) لرئيس الجمهورية وتكون الأمور طبيعية؟

أو إنه كان على المسيحيين يومذاك أن يتحدثوا عن التجرؤ والإعتداء على رئاسة الجمهورية وخرق إتفاق الطائف؟!.