قررت حكومة ​سعد الحريري​ تنظيم "رحلات" مناطقية للوزراء للاطلاع عن كثب على واقع المدن اللبنانية، وكان القرار أن يتوجه الوزراء الى أكثر من مدينة وعقد جلسات الحكومة فيها، واطلاق الخطط الانمائية لكل منها. هكذا بدأت الفكرة، فتحدد نهار الـ23 من أيلول الجاري موعدا "لجلسة ​طرابلس​"، ثم تم التأجيل الى 28 منه، ومن بعدها إلغاءه. لماذا؟.

بداية يجب التأكيد على ان جلسة طرابلس لم تكن مزحة سياسية سمجة، بل كان القرار متخذا والتحضير اللوجستي منطلقا، والدليل على هذا الأمر هو بالاجتماع الذي عقده محافظ الشمال ​رمزي نهرا​ تحضيرا لـ"العرس الموعود"، وشارك فيه مستشار الحريري للشؤون الإنمائية فادي فواز، وممثلون عن وزارات وهيئات اقتصادية وبلديات، بهدف عرض المشاريع التي تقدمت بها وزارات وبلديات لإرسالها إلى الأمانة العامة ل​مجلس الوزراء​، تمهيداً لعرضها في الجلسة.

تقول مصادر متابعة، أن نواب المدينة يومها شعروا بأن فرصتهم قد حانت لتفعيل وجودهم انتخابيا، فحضروا مشاريعهم وتواصلوا مع فواز بهدف عرضها على جدول اعمال الجلسة، وكأن مجلس الوزراء سيأتي محملا بمليارات الدولارات ويوزعها في شوارع طرابلس، بينما الواقع أن ​حكومة الحريري​ لم تقم حتى اليوم تحويل مبلغ الـ100 مليون دولار التي اقرتها حكومة ​نجيب ميقاتي​ السابقة للمدينة، بل استعملت قسما من الأموال في "المنطقة الاقتصادية الخاصة" بطرابلس، والعائدة للشركات الخاصة برئاسة الوزيرة السابقة ريا الحسن.

وتضيف المصادر في حديث لـ"النشرة": "لو أن الأمور جدية كما يدّعون فلينفذوا المشاريع السابقة التي انطلق العمل بها، وابرزها جسر مدخل طرابلس الجنوبي الذي يكاد يدخل سنته العاشرة منذ بدء تنفيذه من قبل شفيق الحريري، عمّ الشيخ سعد، ولم ينته العمل به بعد، او سوق الخضار الذي قام المتعهد ببناء مدخل ضيق له لا تستطيع الشاحنات عبوره، مما اضطرهم لهدمه والعمل على بنائه مجددا. وتكشف المصادر أن حرمان المدينة من مبلغ الـ100 مليون دولار سببه وقوف أهل طرابلس بوجه مشروع الحريري في ​ساحة التل​ أو ما عُرف بـ"مرآب التل".

هذا بما يتعلق بالاعتراضات الانمائية، أما بالنسبة للأسباب السياسية التي جعلت الحكومة تتراجع عن قرارها الانعقاد في طرابلس، فتكشف المصادر ان سببين اساسيين كانا خلف هذا القرار، الأول هو "علم" الحريري بأن تحركات شعبية ستنطلق لمواجهة "الخطوة الحكومية" قبل وخلال نهار الجلسة، وسيظهر فيها الحريري طرفا غير مرغوب فيه في عاصمة لبنان الثانية، وهو ما سينعكس سلبا على هدف الجلسة وصورته السياسية قبل أشهر من الاستحقاق الانتخابي. والسبب الثاني بحسب المصادر هو "ان نصف عدد وزراء الحكومة قد "أصبحوا" في ​سوريا​، وبالتالي كيف يتوقع الحريري أن تستقبل المدينة المعروفة بانتمائها السياسي هؤلاء الوزراء"؟، مشيرة الى أن لقاء وزير الخارجية ​جبران باسيل​ ونظيره السوري ​وليد المعلم​ قطع شعرة "معاوية" التي كان الحريري يتمسك بها لعقد الجلسة في طرابلس.

وتشدد المصادر على أن الطرابلسيين لا يريدون تحميل الحريري وحده مسؤولية علاقات الوزراء بالنظام السوري، الا أنهم يستغربون صمته عن الأمر بما يوحي بموافقته عليه، مشيرة الى أن بعض الوزراء يعملون لإفشال الحكومة ورئيسها لا يحرك ساكنا، مع العلم أن من بين هؤلاء من هم في نفس خط الحريري السياسي.

منذ أيام وفي جلسة مسائية في بيت الوسط، استشاط الحريري غضبا على الحكومة والوزراء وطرابلس، فإلى جانب ضغط السلسلة وتداعياتها، وضغط الوزراء الراغبين بإعادة العلاقات مع سوريا، جاءه رفض حشد من أبناء المدينة الشمالية لعقد جلسة للحكومة فيها، وهكذا "طارت" الجلسة.