لم يعد الحديث عن حلم الانفصال الكردي من باب الترف او التسلية او تمرير الوقت بل اصبح امراً واقعاً يجب الانتباه اليه ملياً والتوقف عند كل تفصيل من تفاصيله. فحلم "​كردستان​" التاريخية اي الدولة التي تقتطع مساحتها من اربع دول هي ​ايران​ وسورية و​العراق​ و​تركيا​ هي التي يعتبرها الكرد دولتهم التاريخية ومن دونها لا حلم ولا من يحزنون ولن يقبلوا بغير ذلك. وهم طوال اكثر من قرنين من الزمن يحاربون من اجل ذلك ويحملون السلاح ويقاتلون لتحقيق هذا الهدف ويحمّلون السلطنة العثمانية مسؤولية تقسيم بلدهم واحتلاله وتوزيعه على اربع دول بعد تغيير الحدود والجغرافيا كما يُحمّلون الاتراك العثمانيين مسؤولية عشرات المجازر التي ارتكبها جنود السلطنة بحق ​الاكراد​ والارمن. هذه "المظلومية" للاكراد من وجهة نظرهم هي التي دفعت بهم الى اعلان الاستفتاء وتحدي حكومة بغداد المركزية كما تحدي الاتراك وايران وسورية والعراق. وربما يصح السؤال المركزي التالي: اذا لم تكن الولايات المتحدة الاميركية موافقة على ما يجري وهي التي اوعزت بذلك الى ​مسعود البارزاني​ بأن يخطو الخطوة النهائية نحو الانفصال بالاستفتاء ولو لم ينفذ بعد حرفياً. كما لا يمكن الحديث عن استفتاء كردستان العراق بمعزل عن الاصابع واليد الاسرائيلية. فماذا يعني عملياً الحديث عن استقلال اقليم كردستان العراق. وما هو مصير الكرد في تركيا وسورية وايران؟ وهل سيقومون بما قام به ابناء جلدتهم في العراق؟

الامر الواقع الذي حاول البارزاني تكريسه عبر الاستفتاء يبدأ من خريطة تفسيخ الهوية الوطنية للعراق وتحويله بأقاليمه الجغرافية المتباعدة ومحافظاته الكبيرة والمتعددة قومياً واثنياً وطائفياً وعرقياً الى دولة مقسمة الى سبعة او ثمانية اقاليم او دول صغيرة لها نفطها الخاص وحدودها الخاصة ومطاراتها ومنافذها البحرية والبرية.

في المقابل لن تنتهي محنة العراق وحكومته المركزية باعادة السيطرة على حدود كردستان ومنافذها البرية والبحرية ولا بمقاطعة غالبية الدول المجاورة ملاحياً وجوياً لكردستان مع توقع ان تكون الاجراءات اللاحقة متزايدة ومرتفعة الوتيرة تدريجياً. فما حدث ليس بالسهل ولا يمكن السكوت عنه لا من ايران ولا من سورية التي تعاني ما تعانيه ولا من تركيا التي تقطنها جالية كردية كبيرة ومليونية كما تواجه تركيا حرباً ضروساً مع حزب العمال الكردستاني كما تعتقل القيادي البارز ​عبدالله اوجلان​ بعد تعاون سورية حافظ الاسد معها منذ عقد ونيف من الزمن.

الكيان الكردي في سورية هو الاكثر حماوة من اقليمي ايران وتركيا على اعتبار ان الازمة السورية المستمرة جعلت من سورية دولة حبلى بالحروب والمشكلات وبكل انواع الارهاب والتكفير وتخضع بعض مناطقها المحتلة من قبل الارهابيين الى فرز طائفي ومذهبي ومحاولة سلخها عن الحكومة المركزية في دمشق. ومع تقدم ​الجيش السوري​ وحلفاؤه في الميدان السوري تستعيد سورية وحدتها وتعود الاراضي والمحافظات تدريجياً الى سيطرة الدولة والى الشرعية السورية.

واللافت في التوقيت الاميركي والايعاز الى اكراد العراق بالانفصال عن بغداد ان داعش بدأت تلفظ انفاسها الاخيرة ومع الحديث عن نشر تسجيل صوتي لابي بكر البغدادي يحتاج الى تدقيق وخصوصاً ان المعلومات عن مقتله مؤكدة منذ بضعة اشهر فلو كان حياً لماذا لم يظهر بالصوت والصورة؟ وهذا ما يؤكد مجدداً ان داعش ووظيفتها الاميركية- الاسرائيلية قد انتهت بعد حصارها والقضاء عليها فليس اجمل من نزعة الانفصال في المنطقة لتكون "ملهاة" ومأساة شعوب ودول المنطقة، لو لم يحصل التقسيم والتفتيت سريعاً لكن اسسه بدأت تترسخ على الاقل في الشكل وستبقى فزاعة الانفصال الكردي تشغل بال المنطقة من الآن وحتى عشرات السنين فالمطلوب ابقاء هذه المنطقة وشعوبها ودولها تحت الضغط وممنوع ان يرتاحوا طالما لم يدخلوا في فلك المشروع الاميركي- الاسرائيلي.