مهم جداً الكلام الذي بادر به الرئيس ​نبيه بري​ نواب الأربعاء. وأهم ما فيه ان »الصفحة السلبية« بين ​عين التينة​ و​قصر بعبدا​ قد طُويت في هذه المرحلة على الأقل. وقد يكون من التسرّع الجزم بأنّ ما حدث يوازي التوافق القائم بين القصر والسراي الكبير. ذلك أنّ ما بين الرئيسين ​ميشال عون​ وسعد الحريري قد تعرّض لاختبارات عديدة، بينها الكبيرة والمتوسطة وبينها الصغيرة. وقد تمّ تجاوزها كلها: بتحفّظ حيناً وبصعوبة أحياناً... ولكن بيت القصيد ان السلبيات لم تصمد أمام الإتفاق الذي عقده أركان الطرفين. اما ما بدا من علاقة إيجابية بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري فمن المبكر الحكم على صموده لأنه أولاً »إبن مبارح«، ولأنه بالتالي لم يواجه، بعد، اختباراً فعلياً.

في أي حال يبدو كلام الرئيس بري، أمس، بعيداً عن الكلام الذي كان يطلع به في الأسابيع (والأشهر) الماضية والذي كان يحمل كثيراً من الإنتقادات، وفي مرات عديدة كان يحمل كثيراً من العتب. ولعل حديثه عن أنّ قرار ​المجلس الدستوري​ بقبول الطعن في شأن قانون ​الضرائب​ ذي الصلة ب​سلسلة الرتب والرواتب​ كان خير دليل على مدى ما كانت العلاقة قد بلغته (سلباً) بين الرئاستين الأولى والثانية. وللتذكير فإن رئيس المجلس كان قد علّق على قرار الدستوري بقوله انه لم يهبط من الملائكة. ويذكر المراقبون ما رافق تلك التورية من حملة انتقادات جرى التعبير عنها في غير خطاب وبيان وموقف واشارة صادرة عن الرئيس بري مباشرة أو عن هذا الوزير وذاك النائب من وزراء ونواب حركة »أمل«. ولا يزال ماثلاً في الأذهان البيان المقتضب الذي ادلى به الرئيس نبيه بري اثر إجتماع كتلته النيابية (التنمية والتحرير) وقد تضمن قراراً بالعمل على تقصير ولاية مجلس النواب الى آخر ايام العام 2017 الجاري (الممددة الى أواخر شهر ايار المقبل) وإجراء الإنتخابات العامة قبل 31 كانون الأول، أي في شهر تشرين الثاني المقبل مبدئياً، يومها فُسر هذا القرار على أنه أحد الأرانب التي يستحضرها دولته من جعبة لا قعر لها، لشدة ما تتسع للمفاجآت!

وقبل أن يضع النائب إبراهيم كنعان (أمين سر ​تكتل التغيير والإصلاح​) مشروع ​الموازنة​ العامة في عهدة الرئيس بري، كان دولته قد »أشاد بمواقف رئيس الجمهورية في ​نيويورك​ و​باريس​ لجهة تأكيده مصلحة لبنان، وفي ​مجلس الوزراء​ بتصويبه المسار المالي بما يتعلق بالمشاريع المالية التي حولتها الحكومة«... على حد ما نقل عنه نواب الأربعاء الذين كان من ضمنهم أحد نواب التكتل.

هل هي هدنة طال إنتظارها بين الرجلين والموقعين؟ هل أضيفت »مواد« الى الحال الكيميائية بين الطرفين فبيّنت فيها إطمئناناً بعد قلق؟ ومن هو الطرف أو من هي الجهة، أو من هو صاحب العلاقة الوطيدة والتحالفية بحليفيه الإثنين الذي كان وراء هذا الذي يبدو بداية تحوّل بارز في العلاقة الثنائية المتوترة منذ ما قبل إنتخاب الجنرال رئيساً للجمهورية على غير رغبة، بل على معارضة معلنة، من الأستاذ؟

الجواب على السؤال الأخير يأتي من ​حارة حريك​. أمّا على السؤال الأول فيقول العارفون ان ما بدا من كلام عين التينة، أمس، هو أكثر من هدنة ولكنه أقل من حلف. وأنّ العلاقة بين مختلف الأطراف اللبنانية لا يمكن الحكم عليها قطعياً قبل تحديد الخيط الأبيض من الخيط الأسود في ​الإنتخابات النيابية​ العامة المقبلة التي بدا من كلام الرئيس بري أمس أيضاً ان تقريب موعدها غاب، كما غابت »ملائكة« المجلس الدستوري!