في ظل الخلاف السياسي المعروف على الساحة ال​لبنان​ية حول أزمة ​النازحين السوريين​، أعادت الجرائم التي تورط فيها البعض منهم، إلى الواجهة بقوة ، لا سيما حادثة الإعتداء على ريتا الشدياق في ​مزيارة​ وقتلها، بالإضافة إلى محاولة ​إغتصاب​ الممثلة ماري سلامة في ضهر صربا.

على المستوى السياسي، تكشف مصادر سياسية، عبر "النشرة"، عن إصرار لدى قوى الثامن من آذار والتيار "الوطني الحر" على تأمين عودتهم بأسرع وقت ممكن ولو تطلب الأمر التنسيق مع الحكومة السوريّة، في حين أن قوى الرابع عشر من آذار ترفض هذا التوجه بشكل مطلق، وتعتبر أن الطريق الأفضل هو عبر التنسيق مع ​الأمم المتحدة​.

وتوضح هذه المصادر أن الخلاف ليس حول أولوية عودة هؤلاء إلى بلادهم، فهناك شبه إجماع على هذا الأمر، لكن لدى كل فريق رؤيته للوسيلة الأفضل، نظراً إلى أن تداعيات العودة كبيرة على الساحة المحلية، لا سيما أن بعض القوى الإقليمية ترفض أي تواصل لبناني رسمي مع الحكومة السوريّة، وبالتالي لا يمكن المغامرة، من وجهة نظر قوى الرابع عشر من آذار، بعلاقات لبنان الخارجيّة بسبب التواصل مع دمشق.

وفي حين باتت معروفة التداعيات الإقتصادية والإجتماعية لواقع النزوح على الأوضاع الداخلية اللبنانية، تشير مصادر أمنيّة، عبر "النشرة"، إلى أن التداعيات على المستوى الأمني تبقى الأخطر، بالرغم من تطهير الجرود اللبنانية من ​الجماعات الإرهابية​ التي كانت تتمركز فيها، ولا تخفي الأعباء التي تركها ذلك على عاتق ​الأجهزة الأمنية​ المطالبة ببذل المزيد من الجهود من أجل الحفاظ على الإستقرار المحلي.

وتلفت هذه المصادر إلى أن إرتباط إرتفاع معدلات الجريمة في لبنان بالأعداد الهائلة للنازحين حقيقة لا يمكن إنكارها، لا سيما على مستوى عمليات النشل بشكل رئيسي، إذا ما تم إستثناء الجرائم الإرهابية أو حالة الإرتباط بالجماعات المتطرفة، لكنها تؤكد بأن الجرائم ذات الطابع الأخلاقي هي الأشد خطورة، نظراً إلى أن ردة الفعل عليها قد تكون كبيرة ولا يمكن ضبطها دائمًا، ومن الممكن أن تتفاعل على نطاق أوسع في ظل تنامي الشعور بالعدائية تجاههم.

على هذا الصعيد، تراقب مفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هذا الواقع، وتعرب، عبر "النشرة"، عن أسفها الشديد لمقتل الشدياق في بلدة مزيارة، مشيرة إلى أنها على اتصال بالسلطات المحلية ومع أسر النازحين الذين يعيشون في المنطقة، بمن فيهم أولئك الذين خرجوا من ديارهم في أعقاب الحادث المأساوي، داعية إلى ضبط النفس وعدم ممارسة الانتقام الجماعي.

ورداً على سؤال حول الدعوات لإعادتهم إلى بلادهم، ترى المفوضية أن الأوضاع في ​سوريا​ ليست مؤاتية لذلك بعد، وفقاً للمعايير الدولية، بسبب الوضع الإنساني، بما في ذلك المخاوف الأمنية المستمرة على المدنيين في سوريا، معتبرة أن العائدين قد يواجهون احتمال تجدد القتال وتعرضهم لعنف جسدي، لافتة إلى أنه لا بد من إدخال تحسينات كبيرة على الأمن و​البيئة​ العامة لحماية من يختارون العودة قبل أن تتحقق عودة واسعة النطاق.

من موقع المراقب، يشير الخبير في السياسات العامة واللاجئين ​زياد الصائغ​، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن وزارة الدولة لشؤون النازحين تتابع عن كسب وبدقة التداعيات التي تنتج عن الجرائم المدانة وتدعو إلى إنزال أقصى العقوبات، لكنه يلفت إلى ضرورة إخراج هذا الملف من مسألتين خطيرتين: التحريض والعقاب الجماعي، محذراً من خطورة الإستغلال الشعبوي لتحقيق أجندات سياسية لا علاقة لها بحماية اللبنانيين أو عودة النازحين.

ويشدد الصائغ على أن النازحين هم ضيوف موقتين يجب أن يحترموا السيادة اللبنانية، كما أن اللبنانيين مدعوون لتفادي التوترات الجماعية لأن ذلك لا يخدم الإستقرار المحلي، على أن تأخذ البلديات اجراءات تنظيمية، ضمن معايير حقوق الانسان، لتنظيم وجود النازحين، ويرى أن الحل هو بإرساء سياسة عامة موحدة تجاه النزوح، والعمل بدبلوماسية حكيمة وهادئة تمهيداً لعودتهم بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

في هذا السياق، يدعو الصائغ إلى إطلاق "دبلوماسية العودة" من خلال خارطة طريق واضحة، تتضمن طلب عقد جلسة خاصة ل​مجلس الأمن​ لبحث الملف، بهدف إصدار بيان يؤكد على عودتهم في حال لم يصدر قرارًا بذلك، بالإضافة إلى طلب إجتماع ​الجامعة العربية​ وبدء مرحلة التنسيق اللبناني الأردني أولاً والتركي في مرحلة لاحقة، ويؤكد على ضرورة طلب لبنان أن يكون عضوا مراقباً في مؤتمري جنيف والآستانة ليكون حاضراً وفاعلاً.

وفي حين يشدد الصائغ على ضرورة إخراج الملف من دائرة الإستغلال الشعبي والديماغوجي لصالح منهجية عامة مستدامة، يسأل: "كيف يمكن الحديث عن التمهيد لعودة هؤلاء وحتى الآن ليس هناك إحصاءات دقيقة لهم، ولم يتم ضبط أماكن تموضعهم الجغرافي، كما أنه لم يبدأ التنسيق، بين هيئات الأمم المتحدة العاملة في لبنان وتلك العاملة في سوريا، للتعرف على إمكانات العودة والأماكن والأشخاص الذين من الممكن أن يعودوا"؟.

في المحصلة، تزداد هذه الأزمة خطورة يوماً بعد آخر، من دون أن تظهر سياسة عامة موحدة لتأمين عودة النازحين إلى بلادهم، فماذا تنتظر ​الحكومة اللبنانية​ لبدء الخطوات العملية بعيداً عن الخلافات الداخلية؟.