كان للكلام الاخير لرئيس الحكومة ​سعد الحريري​ من روما حول وضع لبنان ووجوب "تجنيب البلد اي اخطار" اضافة الى استمرار الحكومة، وقع ايجابي على الساحة الداخلية، انما ايضاً نوع من القلق والتساؤلات حول ما تخبئه السعودية للبنان، وما اذا كانت تخلت عن الحريري ام انها تتمسك به.

في الواقع، من يستمع الى وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ​ثامر السبهان​ وتغريداته، لا يمكنه الا ان يرى التناقض بين التغريدات وكلام الحريري، فأي سياسة سعودية هي التي ستُعتمد تجاه لبنان؟ يحكى في الكواليس ان السعودية لا زالت في وضع انتقالي غير رسمي في السلطة، تمهيداً للانتقال الرسمي الذي بات غير بعيد، ولو انه ليس فورياً. واللافت ان ولي العهد الامير محمد بن سلمان، لم يعتمد السقف العالي في التخاطب مع ايران او مع سوريا او مع الازمات التي تعاني منها المنطقة، وهو فضّل ابقاء نفسه على مسافة مقبولة من الجميع، تمهيداً لليوم الذي سيتوّج فيه ملكاً على السعودية دون ان يلقى تتويجه اي مشكلة او عائق محلي او اقليمي او دولي. حتى الموقف السعودي الرسمي لم يرقَ الى السقف الذي وصل اليه السبهان في تغريداته، وهذا ان عنى شيئاً فهو ان المملكة لا تزال ترغب في حفظ "خط العودة" والتعاطي بشكل حذر مع المشكلات التي تعترضها، بعد ان عانت من الطريقة التي تم التعاطي بها سابقاً مع المشاكل نفسها، وادّت الى خسارة مهمة في النفوذ السعودي.

وفي ما خص لبنان، عمدت السعودية الى ارسال رسائل مباشرة وغير مباشرة، المباشرة منها كانت ايجابية وتصب في خانة الحفاظ على استقرار لبنان وعدم زجّه في طرقات قد تؤدّي به الى مواجهات داخلية مكلفة تؤدي الى خسارة الجميع، اما غير المباشرة فأبقت على الشدّ العصبي الطائفي والمذهبي والمعنوي بحيث لم تقع كلياً الورقة، التي، من شأنها اعادة التوتر، وذلك عبر مواقف اتت على صفحة السبهان على مواقع التواصل الاجتماعي (التي لم تكتسب بعد في ​العالم العربي​ صفة رسمية)، بما يعني ان صرخة السعودية الى العالم تفيد انها لا تزال حاضرة على الساحة، وانها تستعد للعودة والاضطلاع بالدور الذي كانت تقوم به سابقاً، انما بحلّة جديدة اكثر تأقلماً مع المعطيات والتطورات.

في لبنان، تعمل السعودية على تطبيق سياستها هذه، فهي حضنت الحريري، ولكنها في الوقت نفسه افهمت من يعنيه الامر انها لا تتمثل فقط بالحريري، وقد استضافت لقاءات في الرياض مع مسؤولين حزبيين وسياسيين لبنانيين، اضافة الى عدم قطع الاوصال مع مناوئي الحريري على الساحة السنّية وبالاخص عبر "المنشقين" عن ​تيار المستقبل​. هذا التعاطي المحيّر محكوم بسقف لن يكون من السهل تخطّيه، وهو ابقاء الحكومة متراصّة وعلى قيد الحياة، لان اي خلل فيها ستتحمل السعودية مسؤوليته، ليس فقط من قبل اللاعبين الاقليميين، بل ايضاً من قبل اللاعبين الدوليين وفي مقدمهم روسيا، كما انه يعني حكماً عدم تقويض صورة الحريري كما حصل سابقاً حيث كان في وضع لا يحسد عليه، واهتزت صورته المالية والمعنوية والاهم: صورته السياسية.

اليوم تبدو صورة الحريري اكثر ثباتاً، ومواقفه اكثر قوة ومصداقية، وهو الامر الذي من شأنه ان يجعله يدخل عتبة البوابة الانتخابية من منطلق الواثق واذا استمرت الحال على ما هي عليه، فمن المتوقع ان يحصد رئيس الحكومة فوزاً مهماً في الانتخابات النيابية المقبلة، ولو ان بعض اخصامه لن يغيب عن المجلس الا انه لن يكون في مستوى القوة والنفوذ نفسه للحريري، ما يؤهله لان يعود الى رئاسة الحكومة بعد "البروفة" الناجحة التي قام بها، والتي نسج فيها علاقات قوية مع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ واعاد الجسور مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وعزز الخيوط مع النائب ​وليد جنبلاط​ ورئيس القوات اللبنانية ​سمير جعجع​، فيما ابقى على "شعرة معاوية" مع ​حزب الله​.