قبل 34 عاماً وبالتحديد في 23 تشرين الاول 1983، عانى ​الجيش الاميركي​ وبالتحديد عناصر ​المارينز​ من ضربة هي الثانية الاقسى في تاريخه بعد موقعة ايو جيما عام 1945، اذ تم تفجير مقرهم في بيروت وسقط لهم 241 قتيلاً ونحو 125 جريحاً.

34 عاماً مرّت، ولم يشعر احد بأن هذه القضية قد اثيرت وتم استغلالها كما يحصل اليوم، اذ ها هو الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ ونائبه ​مايك بنس​ يطلقان مواقف رنانة من الموضوع، ويتوعدان بأنهما لن ينسيا ما حصل ولن يسكتا، واكدا بما معناه ان رد الفعل الاميركي السابق لم يكن على قدر المسؤولية وانهما سيقومان بما عليهما.

هذا الموقف الاميركي اتى لينسف المواقف الاميركية لكل الرؤساء السابقين الذين لم يثيروا هذه المسألة في وسائل الاعلام كما حصل بالامس، وحاولوا على مرّ السنين تطويقها للابقاء على الدبلوماسية الاميركية حيّة في منطقة الشرق الاوسط. صحيح انهم ضغطوا على ايران بشكل قاس وفاعل، ولكنهم في نهاية المطاف ركبوا موجة التغييرات التي شهدتها المنطقة، ووصل الامر بالرئيس السابق ​باراك اوباما​ الى رعاية ​الاتفاق النووي​ مع ايران الذي صفقت له دول الغرب والعالم، ما عدا السعودية التي لم تستسغ الاتفاق وابدت مخاوفها من طهران، و​اسرائيل​ التي وضعت العلاقة مع اوباما في مرحلة من التوتر الشديد بسبب هذا الاتفاق.

الخطير في كلام ترامب وبنس انهما وضعا الرؤساء السابقين للولايات المتحدة والادارات الاميركية السابقة في قفص الاتهام، فإما ان من سبقهما هو "خائن"، او على الاقل "جبان" لعدم القيام برد فعل كبير، علما انه في نيسان 1983، ادى تفجير سيارة مفخخة في ​السفارة الاميركية​، الى مقتل 63 شخصاً وجرح 17 آخرين من الاميركيين. هذا التفجير لم يتم التطرق اليه وكأنه امر عادي، ولكن كان مؤشراً الى استهداف الاميركيين وغيرهم من الجنود الاجانب على ارض ​لبنان​ية كانت تغلي بالقتال والاشتباكات المسلحة.

وقد وعد الرئيس الاميركي ونائبه بتغيير هذا الموقف، فما الذي سيفعلانه؟ من المنصف القول ان اللجوء الى اي رد عسكري ضد ايران هو من باب التخيلات فقط، ولعل رد الفعل الاوروبي والغربي على الموقف الاميركي من الاتفاق النووي خير دليل على سلوك واشنطن طريقاً لم يسلكه سواها من حلفائها الغربيين، ولا يمكنها بالتالي الدخول في اي هفوة عسكرية ستكون نتائجها كبيرة جداً عند الراي العام الاميركي اولاً، وعلى المنطقة بأكملها ثانياً.

البديل عن الخطة العسكرية، هو الضغوط والعقوبات، وهذا الحل هو الارجح حيث سيضع ترامب "طعم" تفجير مقر المارينز في بيروت في سنارته لاصطياد طهران. ولكن، ما دخل ​حزب الله​ في الموضوع؟ سيعمد ترامب الى توريط ايران، ولكنه لن يكون بمقدوره استعمال التفجير الذي حصل في لبنان دون "ادانة" حزب الله، لذلك عمد الى التركيز عليه انطلاقاً من العلاقة الجذرية التي تربطه بايران، وقد مهّد لهذا الامر بإعلانه انه بدأ بالتشديد على الحزب مالياً وقضائياً من خلال اعتقالات لاعضائه في ​اميركا​، وفرض عقوبات مالية واقتصادية عليه وفق قوله.

ووفق ما تم نشره في ​الولايات المتحدة​ من نتائج التحقيق في تفجير مقر المارينز، فإن "ايران كانت في العام 1983 تنظّم انشاء حزب الله في لبنان، وان التفجيرين –اي السفارة ومقر المارينز- قد تما بالاستعانة على الاقل بجزء من مقدرات حزب الله". هذا الامر يشير الى ان الحزب كان في طور الانشاء، وان التحقيقات تلوم ايران فقط. ويبدو بشكل اوضح ان واشنطن حذرة في التعاطي مع مسألة حزب الله في لبنان، فهي تعمل على خطين: الاول دعم الجيش اللبناني عسكرياً وحثّ القوى السياسية المناوئة للحزب بالوقوف في وجهه، وثانياً التمهيد لتخفيف دور الحزب بعد ان برز بقوة في ​سوريا​ ولعب دوراً اساسياً في تغيير نتائج المعركة الميدانية ليكتسب حضوراً يفوق الحدود اللبنانية، وهو امر لا يروق لواشنطن.

انما اي "هفوة" اميركية في لبنان ستضع الجميع امام مشكلة معقدة، نظراً الى الوضع اللبناني وخطورة اللعب في المعادلات اللبنانية لان من شأنها تغيير المعادلات الاقليمية بصورة عامة ولن تكون الامور محصورة بمواجهة دبلوماسية وسياسية بين ترامب وايران، ولن تكون النتيجة وفق ما يتوقعه الرئيس الاميركي بل ستكون اسوأ بكثير وقد تؤدي الى نهاية ولايته قبل اوانها.