لم يسجّل التاريخ الحديث أن الدول الغربية تفرّجت على أحداث شبيهة بالتي تجري في السعودية الآن من دون تدخل، أو انتقاد، أو تصويب، او تحذير، أو تنبيه دبلوماسي. لا يقتصر الأمر حاليا على الترقب، بل يتعدّاه الى حدود التأييد لخطوات يقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في المملكة. كأن الغرب ينتظر نقلة سعودية نوعية سياسية ودينية في المملكة يحققها شاب يحظى بدعم ومواكبة ​البيت الأبيض​، كما بدا في الثقة التي منحه اياها الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ علنا، وزيارات الشخصيات الاميركية الى الرياض سرا. حال الدول الاوروبية لا يختلف عن تلك النظرة الاميركية. يتفاعلون مع عنوان "مكافحة الفساد" التي رفعها بن سلمان، وعيونهم ترصد حجم المتغيرات الآتية: هل تطال الحملة رجال الدين؟ هل تتغير المناهج التربوية بصورة جذريّة؟ هل تصبح السعوديّة مساحة مفتوحة لكل جنسيات العالم شبيهة بإمارة دبي؟ مشاريع بن سلمان التي أبرزها في الاشهر الماضية حاكت عقول وعواطف العواصم الغربية، التي يسرّها أن تتكرر تجربة دبي على مساحات عربية أوسع. ربما يشكّل الأمر مطلبا شعبيا سعوديا أيضا لفتح الاسواق والاستثمارات ووسائل الحياة، ومنع الاحتكار وكسر الطبقية.

يعوّل الغرب على بن سلمان لتحقيق قفزة سعودية وطي تاريخ المملكة الذي امتّد منذ تأسيسها، وكأنه يقوم "بثورة تصحيحية" لا تقتصر مفاعيلها على الجوانب التربوية والاجتماعية والاقتصادية، بل تطال الجانب السياسي بشكل أساسي باتجاهين: محاربة فكر متطرف نما على أرض المملكة، والتصويب على الجمهورية الاسلامية ال​ايران​ية لترسيخ تحالف ضدها. من هنا يأتي تشجيع الاميركيين للتصعيد السعودي ضد ايران وكل حركات المقاومة في العالمين العربي والاسلامي.

سبق وأن سقط المشروع الذي امتّد على مساحات عربية واسعة منذ عام 2011. لم تسقط ​سوريا​. لم تتغير توازنات ​العراق​. لم يصبح ​اليمن​ أداة سعودية. لم تنكسر ايران ولا حلفاؤها. لم يسلّم "​حزب الله​" سلاحه ولا غيّر أجندته. لم تنغمس "حماس" بمشروع يبعدها عن أدبياتها المقاومة ولم تبتعد عن طهران. سبع سنوات من الحرب من دون نتائج سياسية جوهرية تغيّر وجه المنطقة، لا بل زاد دور الروس على حساب الاميركيين. اذا، هل ستغيّر الاشهر المقبلة ما عجزت سنوات عن تغييره؟ قطعا لا. لماذا التصعيد اذا؟ هو مقدمة للتفاوض. رفع السقف السياسي عادة يتمّ اللجوء اليه في حالة التحضير اما للحرب أو للتفاوض. وبما أن سنوات الحرب لم تثمر، ولا قدرة على الاستمرار في طريق الحروب المكلفة، فلا يبقى الاّ التفاوض السياسي دربا وحيدا.

في الايام الماضية ارتفع منسوب الخطاب السعودي ضد حكومة ​لبنان​ وتصنيفها بحكومة حرب ضد الرياض، والتركيز على "حزب الله" وتحميله كل المسؤوليات، ثم الاعلان صراحة عن عدم القبول بسياسة رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ المتحالف مع الحزب. لكن كل هجوم يربط عمليا باليمن. كأن السيناريو هو: ضغط على "حزب الله" بشكل غير مسبوق في ساحته الأساسية اللبنانية ومحاصرته بكل الادوات والوسائل، لدفع ايران عن التنازل في موضوع اليمن. هنا تصح المقولة: اذا اردنا ان نعرف ماذا يجري في لبنان علينا أن نعرف ماذا يجري في اليمن. بالانتظار، هل تحصل حرب على اللبنانيين؟ عسكريا: لا قدرة. امنيا: لا نيّة. ماليا: لا وجود. اقتصاديا: لا جدوى، لأن اللبنانيين يعانون منذ سنوات طويلة من تدابير تحبط السياحة والتجارة والاستثمار في بلدهم نتيجة اوضاع المنطقة، في وقت يتوقف فيه الترانزيت والتصدير الصناعي والزراعي بسبب اقفال الحدود السورية-الاردنية.

رغم ذلك سيعود الكل الى طاولة التفاوض. المسألة تدور حول الزمن: متى؟ بالطبع السعوديون هم أكثر المستعجلين. اذا كان بن سلمان يخطط لمرحلة سعودية اقتصادية وسياسية مثلى، لا يمكن أن تكون بوجود أزمات تحيط بالمملكة وتربكها من كل جانب. الحوار مع ايران هو الحل. سيسجّل له التاريخ ذلك.