لاحظت مصادر نيابية مخضرمة انه منذ الاستقلال او حتى ما قبله، كانت الأزمات السياسية وغير السياسية في ​لبنان​ تعالج بتسويات، ولم تكن في يوم من الأيّام عبر مواجهات يكون فيها رابح وخاسر، حتى بعد أطول حرب او احداث حصلت في العام 1975، والّتي امتدت طويلاً وأدت الى تنازلات من كل القوى على مختلف مشاربها، وأنتجت ​اتفاق الطائف​.

واضافت المصادر، بعد ازمة الفراغ في سدّة ​رئاسة الجمهورية​، والتي كادت تطيح ب​المؤسسات الدستورية​ والأمنية وال​اقتصاد​ية، أتت التسوية التي انتخب العماد ​ميشال عون​ على أساسها رئيسا للجمهورية، واختير ​سعد الحريري​ رئيسا للحكومة، وساد الاستقرار السياسي لبنان، وبدأت عملية بناء الدولة بثبات ولو ببطء.

واكدت المصادر انه في كل مرة يتم فيها التنكّر لأيّ تسوية من قبل اي فريق، تحصل المواجهة، وتدخل البلاد في أزمة جديدة كالتي نشهدها اليوم، والتي لا مجال لحلّها الا اذا أيقن المتخاصمون أنّ عليهم عدم اقحام وطنهم بالأزمات الإقليمية، والعمل على ترتيب بيتهم بالحوار والتواصل. وأشارت المصادر، الى ان مشاركة ​حزب الله​ في الحرب السوريّة، هي ازمة إقليمية باعتراف الجميع، وبالتالي من المستحسن تركها جانبا الى ان تعالجها الدول الإقليمية، وهذا ما سيحصل عاجلا ام آجلا. وأكدت أنه بانتظار الحلول الخارجيّة، لا بد من تفاهم اللبنانيين داخليًّا وعدم اعتبار أنفسهم قادرين على مجاراة الظروف والاوضاع الإقليميّة على أساس أنّ لهم أي تأثير على مجريات الامور.

وانطلاقا من هذا الواقع، ترى المصادر ان حل الازمة الحكوميّة الراهنة لا بد وان يكون في هذا الإطار، بعد عودة رئيس ​الحكومة​ الموضوع في الاقامة الجبريّة سعد الحريري الى لبنان في اقرب فرصة ممكنة .

وتخوفت المصادر من ان يكون كلام وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ​ثامر السبهان​ عن التعامل مع الحكومة اللبنانيّة كما لو أنها أعلنت الحرب على ​الرياض​ بحجّة هيمنة حزب الله عَلى الاوضاع في لبنان، وذلك بعد استقالة سعد الحريري من الرياض، ينمّ عن سياسة سعوديّة عدائيّة تجاه لبنان ستترجم اقتصاديا، اكثر منها حربيًّا .

ويبدو ان الاستراتيجية السعودية الجديدة تستهدف اقتصاد لبنان الذي يواجه أساسا تحديات جمّة، من غير أن تمّيز بين حليف محلي أو عدو خصم. وهي قررت استهداف لبنان بأسره، معتمدة في ذلك على التصويب على ثلاث مجالات هشّة، وهي العمالة الوافدة، و​القطاع المالي​، والسياحة، واذا نجحت المملكة العربية السعودية في تحقيق هذا الهدف، فإن ذلك سيكون له أثر بسيط على الوضع اللبناني.

وأكدت المصادر ان ستلحق ضررا ليس بحزب الله وحده فقط، بل ستؤثر على حلفائها أيضًا الموالين للغرب، الذين كانوا اقله حتى الان على علاقة جيدة مع الرياض.

وأملت المصادر ان تكون مقابلة الحريري التلفزيونية التي اختلفت في مضمونها عما جاء في بيان الاستقالة، حيث غاب منطق "قطع الايدي"، وحل محله شعار "النأي بالنفس"، وعدم التنكر للتسوية والاصرار على ترميمها، مدخلا لعزوفه عن هذه الاستقالة والانطلاق مجددا بالتفاهم الذي أنتجته هذه التسوية، لا سيّما وان خطاب حزب الله حتى الان لا يزال في هذا الإطار، مع ترك القضايا الإقليمية الشائكة جانبا.

ولفتت المصادر الى ان تحقيق هذا الهدف لا بد للقيادة الجديدة في المملكة العربية السعودية، التي لا تعرف لبنان واللبنانيين على حقيقتهم، كما كان الحال مع من سبقها من ملوك ومسؤولين سعوديين الذين كان لهم حلفاء اقوياء في لبنان وكان بينهم وبين حكام السعودية مودّة وتفهّم لخصوصية هذا البلد، أن تعود الى نهج التحاور حتى مع ​ايران​ لحلّ خلافاتهما، بدل هذه السياسة التي اقل ما يقال فيها انها خارجة عن المألوف في تعاطي السعوديين مع لبنان، ومعهم أي دولة عربية او اجنبية اخرى، لجهة ان يتم حجز حريّة رئيس الحكومة اللبنانية والطلب منه اعلان استقالة حكومته عبر شاشة تابعة لهم. وهذه السياسة لن يقبل بها أي لبناني ولا اي فرد في أقصى بقاع العالم.