في ظل التطورات المتسارعة على الساحتين الدولية والإقليمية، يبدو أن الوقت حان لكي يعيد ولي العهد السعودي ​محمد بن سلمان​ حساباته على هذا الصعيد، لا سيما بعد فشل الخطوات التي قام بها في أكثر من ساحة، نظراً إلى أن التداعيات قد تكون كبيرة على مكانة الرياض في حال الإستمرار على المنوال نفسه.

حتى الساعة، لم ينجح ولي العهد السعودي إلا بتثبيت ركائز حكمه على المستوى الداخلي، الذي لا يزال غير مباشر بسبب وجود والده على رأس نظام الحكم، عبر الخطوات التي قام بها من خلال الإنفتاح على الفئات الشابة وتقديم نفسه مصلحاً يرفع لواء محاربة الفساد، إلا أنه خارجياً لم ينجح في تحقيق ما كان يراهن عليه.

في هذا السياق، تبرز الأزمة داخل ​دول مجلس التعاون​ الخليجي بعد تفجر الخلاف مع قطر، حيث لم ينجح الحصار المفروض على الدوحة في تحقيق الأهداف المتوخاة منه، نظراً إلى تضامن الكثير من القوى الفاعلة معها من جهة، بالإضافة إلى إصرار اللاعبين المؤثرين على الساحتين الدولية والإقليمية على معالجة الأزمة بالحوار من جهة ثانية، بينما محمد بن سلمان كان يطمح للإطاحة بالأمير القطري حمد بن خليفة، واليوم يراهن البعض على القمة الخليجية في ​الكويت​ لكسر الجليد بين الجانبين، لكن في جميع الأحوال مسار الأزمة أثّر على صورة المملكة التي ظهرت عاجزة عن "تأديب" الإمارة.

من جهة ثانية، فشلت الرياض في إحداث أيّ تبديل على الساحة اللبنانية عبر إجبار رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ على تقديم إستقالته، تحت عنوان محاربة النفوذ ال​إيران​ي المتمثل بـ"حزب الله"، نظراً إلى نجاح رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ والقوى السياسية الأساسية في البلاد على قلب الطاولة على محمد بن سلمان، بعد أن كان الرهان على نقل الزعامة إلى ​بهاء الحريري​، الراغب في قيادة خيار المواجهة، ومع طيّ صفحة الإستقالة، بعد عودة مجلس الوزراء إلى الإجتماع، هناك الكثير من الأسئلة التي تُطرح حول مستقبل العلاقة بين الحريري و​السعودية​، لا سيما أن ما حصل لا يمكن أن يمر مرور الكرام، رغم القناعة الراسخة بأن الحريري غير قادر على الخروج من عباءة المملكة، من دون تجاهل الدور الذي قام الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ على هذا الصعيد.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل خطورة الخطوة التي قام بها على الصعيد اليمني مؤخراً، والتي تمثلت بالسعي إلى إستمالة الرئيس السابق ​علي عبدالله صالح​ لمواجهة حركة "أنصار الله"، بعد أن أدّت إلى مقتل صالح في نهاية المطاف من دون أن تنجح السعودية في تحقيق هدفها، بالرغم من إمكانية إستفادتها من التطورات اللاحقة في المستقبل، نظراً إلى أن ما حصل قد يعزّز الخلافات بين "أنصار الله" ومؤيدي صالح الراغبين بالإنتقام، إلا أن الرياض كانت تراهن منذ البداية على إنهاء ​الحرب اليمنية​ بسرعة قياسية، لكن مسار الأحداث لم يكن لصالحها، بل على العكس من ذلك، تحول اليمن إلى مستنقع للمملكة لا تملك فيه خيار التراجع، بالرغم من الإدانات التي تتعرّض لها من قبل المنظمات الدولية، بالإضافة إلى الدعوات التي تطلقها أكثر من دولة لحوار مباشر مع إيران لإنهاء هذه الحرب.

وقبل المعارك الثلاث المذكورة التي خاضها ولي العهد السعودي، هناك الإنقلاب العسكري الفاشل الذي حصل في ​تركيا​، الذي لا تزال تُثار حوله الكثير من علامات الإستفهام، حيث لدى أنقرة قناعة بأن الرياض، بالتعاون مع أبو ظبي، لم تكن بعيدة عنه، وهو ما يظهر من خلال تردّي العلاقة بين الجانبين بعد الأزمة الخليجية، بالإضافة إلى خلافهما حول الملف المصري، من دون تجاهل الدعم الذي تقدمه الرياض إلى "​قوات سوريا الديمقراطية​" التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية، وانفتاح الأخيرة على طهران، عبر الشراكة معها في مسار آستانة لحل الأزمة السوريّة بالتعاون مع موسكو.

في المحصلة، لم ينجح محمد بن سلمان حتى الآن في جميع المعارك أو المواجهات التي يخوضها على الصعيد الخارجي، لكن هل يدفعه ذلك إلى التراجع أم إلى المزيد من الخطوات التصعيديّة لا سيما على الساحتين اليمنية واللبنانية؟.