خرج علينا بالأمس الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ بما اعتبره وفاء بالوعد، وبما اعتبره يصب في خدمة المصالح الأميركية ومسار السلام بين الصهاينة وال​فلسطين​ين، وما يعتبره خطوة طال تأجيلها لدفع مسار السلام. خرج علينا ليقول ان الكيان الصهيوني هو دولة سيدة ويحق لها كباقي الدول ان تحدد عاصمتها، وانه قد مضى 70 عاما على اعتراف الرئيس الأميركي ترومن بالدولة الصهيونية ومنذ ذلك الوقت كان الصهاينة يعتبرون ​القدس​ عاصمتهم وهي العاصمة الذي حددها ​اليهود​ في غابر الزمان.

وفي سياق تبريره لما يقدم عليه قال: "بأن القدس هي الموقع الجغرافي الذي يحوي الحكومة الصهيونية وتحوي البرلمان والكنيست والمحكمة العليا ومقر رئاسة الحكومة ومقر العديد من الوزارات، وقال اليوم نعترف بأمر واضح وهو ان القدس هي عاصمة ​إسرائيل​ وهذا ليس الا اعتراف بالواقع".

وفي ختام إعلانه دعا جميع الأطراف للمحافظة على الوضع القائم في القدس.

ترامب مهلا، ان تقول ان ما تقوم به يخدم الأهداف الأميركية لن يناقشك به أحد فالكيان الصهيوني كما هو معروف هو الحليف الوظيفي للولايات المتحدة في المنطقة، وقد كان لفترة طويلة من الزمن الذراع الطويلة والعصا الغليظة لها في ​الشرق الأوسط​ قبل ان تكسر المقاومة هذا الدور... لكن بالمقابل ان كان هذا الإعلان يعتبره رأس الإدارة الأميركية يخدم مصاالح دولته فهذا يعني انه تيقن ان المعترضين على هذا القرار لن يهددوا ما اسماه المصالح الأميركية، وهنا لا بد لنا من وقفة تأمل مع هذا الطرح ولنا معه عودة...

ان يعتبر دونالد ترامب الكيان الصهيوني دولة سيدة يحق لها ان تختار عاصمتها، هذا يعني انه يعترف بالكيان الصهيوني كدولة ويلغي بذلك الدولة الفلسطينية التي كانت قائمة قبل هذا الكيان المحتل، وكأنه يقول للسلطة الفلسطينية القائمة الان انتم إقليم انفصالي ضمن الدولة الصهيونية وقد تتنازل وتعطيكم استقلالكم الذاتي من ضمن حل الدولتين المزعوم ان تم الوصول اليه...

ان يعلل ما يقدم عليه بوجود مقرات كيان الاحتلال في القدس وان ما يقوم به ليس الا اعترافا بالواقع، فنعم هذا اعتراف بواقع الاحتلال وتكريسا له، والاعتراف بواقع الاحتلال وتكريسه يحفز الغاصبين على سرقة الأوطان، فهيهات هيهات فلا حق في سرقة الأوطان للجاني...

والعجب العجيب ان يختم إعلانه بالدعوة للحفاظ على الوضع القائم في القدس وبذلك كأنه يقول للفلسطينيين نحن قررنا سلبكم قدسكم واقصاكم وانتم حافظوا على هدوئكم !!!

وعودا على بدء ما الذي جعل الرئيس الأميركي مطمئن ان ما سيقوم به لن يهدد ما اسماه المصالح الأميركية؟!! ان دراسة أي قرار قبل اتخاذه يقتضي البحث بردات الفعل المتوقعة عليه، فعندما تفحص الرئيس الأميركي احتمالية رد فعل الدول العربية والإسلامية فهو غالبا استعرض بيانات ​جامعة الدول العربية​ المليئة بالشجب والاستنكار والخالية من كلمة "والا" والخالية من أي اجراء تنفيذي له اثار تهدد ما يعتبره ترامب المصالح الأميركية.

وفي سياق متصل فإن ارادت دول الخليج مثلا ان تعمل منفردة للرد على هذا القرار، فإن تفحص الخلافات داخل ​مجلس التعاون الخليجي​ وتمركز معظم استثمارات دول الخليج في ​الولايات المتحدة​ وتراكم اموالها في مصارفها وعقدها اغلب صفقات التسليح مع الولايات المتحدة جملة هذه المعطيات ستردعهم عن أي خطوة تهدد الولايات المتحدة خاصة اذا ما اضفنا الى ما تقدم اقتناع العديد من هذه الدول ان الولايات المتحدة تلعب دور الشرطي القادر على رد ما تعتبره الخطر الإيراني..

أما الفصائل الفلسطينية فإن قتالهم فيما بينهم واختلافاتهم المتعددة انهكتهم ولن يستطيعوا ان يهددوا ما اسماه ترامب المصالح الأميركية.

فللتاريخ المحفور في الصدور، وللتاريخ الذي ستكتب سجلاته عن مآثرنا أقول ان ما نعيشه اليوم أخبرتنا عنه حادثتان تاريخيتان الأولى يوم رد السلطان عبد الحميد على عرض هرتزل بدفع الملايين لمنحهم ارضا في فلسطين ليعيشون عليها قال: "أنصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع، فإني لا استطيع أن اتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين... فهي ليست ملك يميني... وإذا مزقت دولة الخلافة يومًا فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن....

والثانية بعد احراق ​المسجد الأقصى​ حيث قالت غولدا مائير رئيسة وزراء العدو السابقة: "لم انم طوال الليل، كنت خائفة من أن يدخل العرب إسرائيل افواجا من كل مكان، ولكن عندما اشرقت شمس اليوم التالي علمت ان باستطاعتنا ان نفعل اي شيء نريده".

وهكذا يوم تفرقنا وتمزقنا ودار بأسنا بيننا وجد العدو وحلفائه ان الفرصة أصبحت سانحة للانقضاض على فلسطين والسعي لأخذها بلا ثمن.

في الختام ان السياسة لعبت قوة وان لم نعمل على ترميم وبناء قوتنا وان لم نعمل على نشر الوعي بقضايا الامة بين أبنائها الغافلين، فإن فلسطين ستكون بداية لإعادة رسم الخارطة جغرافيا وسياسيا خاصة ضمن رقعة الشرق الأوسط ولن يبقى هناك دولة بمنأى عن ما يصيب فلسطين اليوم..