صادم كان قرار الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ اعتراف بلاده ب​القدس​ عاصمة ل​اسرائيل​، ولم تخفف التبريرات التي اطلقها مساعدوه بعد القرار من الصدمة. في الواقع، ورغم كل النواحي السيئة التي يحملها القرار الاميركي، برزت ناحية ايجابية وحيدة، وهي اعادة احياء ​فلسطين​ والاعتراف بها كدولة في ​الامم المتحدة​ وعاصمتها القدس الشرقية. وبعد ان سقطت كل المقولات السابقة، تبيّن بما لا يقبل الشك ان طريق فلسطين تمرّ من القدس، والقدس وحدها، الا ان الامر بالغ التعقيد ويرى الكثيرون ان القرار الصادر عن ترامب كان الخطوة السياسية الوحيدة التي بامكانها اعادة احياء مسألة "دولة فلسطين" ووضعها على طاولة المفاوضات والبحث الجديّ، لان الوسيلة الاخرى كانت عسكريّة وتقتضي قيام اسرائيل بحرب كبيرة لا تنتهي الا بتدخلات دولية قد تفضي الى تكريس حل الدولتين.

هذا السيناريو السياسي نجح حتى الآن، فها هم العرب قد تحركوا بعد "غيبوبة طويلة"، وللمرة الاولى تثار مسألة الاسراع في التقدم بطلب جعل فلسطين دولة معترف بها دولياً، وهي تحتاج لهذه الغاية الى عاصمة اتّفق غالبية الدول العربية على اعتبارها القدس الشرقية. وعلى عكس المرات السابقة، يمكن اعتبار هذه المحاولة الاكثر جديّة، وما يكسبها مصداقية اكبر هي المؤشرات التي سبقت هذا الحدث. وليس عبثاً ان تندلع الحروب في المنطقة وتقتحم ابواب الدول العربية دون إذن، وتتغيّر انظمة وتختلف التقسيمات الجغرافية وتنقلب الاوضاع الديموغرافية وتبرز قوى دولية واقليمية على الارض الشرق اوسطية ونصبح امام صورة جديدة للمنطقة.

من يتابع مسار الاحداث، يقف حائراً امام السياسة الاميركية الحالية، فهي تعمل من جهة على استقرار المنطقة من خلال الموافقة على التدخل العسكري الروسي وتقديم الدعم لبعض الدول من اجل الاستقرار (على غرار ​لبنان​ و​العراق​ مثلاً)، لكنها من جهة ثانية تشعل المنطقة بقرارها حول القدس. واذا سلّمنا ان القرار الاخير هو لمصلحة اعطاء دفع لحل الدولتين، فإن مسائل اخرى عالقة لا تزال تحتاج الى حل قبل الوصول الى الهدف المنشود.

وقد يكون التقارب الحاصل بين بعض الدول العربية واسرائيل، ضمن هذا السيناريو ولو انه غير مقبول في المجتمع العربي بشكل عام، ولكن في حال بدأت الخطوات الفعلية لتحقيق السلام في المنطقة وتكريس منطق الدولتين، فستتغير الكثير من المعطيات.

من الطبيعي الا تتبلور الامور بين ليلة وضحاها، واذا ما توجهت مجموعة من الدول غداً الى ​مجلس الامن​ والامم المتحدة للاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية، فإن الفيتو الاميركي جاهز حتماً لاحباط هذا الامر، لان الاتصالات والمشاورات لم تنته بعد ولا يمكن المباشرة بموضوع بهذا الحجم والاهمية دون الانتهاء من التفاصيل. في المقابل، نجد ان اسرائيل تتأخر نسبياً في الارتماء في احضان الحلول العسكرية الاولية، وتفتح مجالاً اوسع للخيارات السياسية (بغض النظر عن اسباب هذا الامر والتي قد تعود الى عوامل كثيرة ومنها على سبيل المثال تراجع جهوزية ​الجيش الاسرائيلي​ ومعنوياته في ظل فترة عدم المواجهات التي سادت في الآونة الماضية)، وتتقارب مع دول عربية من اجل جذبها اليها تمهيداً لتكريس نفسها دولة "مقبولة" في محيطها، ولكن السقف العالي الذي وضعه المسؤولون الاسرائيليون وفي مقدمه اعلان اسرائيل دولة يهودية، والبتّ بمصير ​اللاجئين الفلسطينيين​، مسائل من شأنها تعقيد اي حلول، ولكن اذا كانت النية الدولية موجودة فعلاًـ، فيمكن ايجاد حلول لكل شيء وهذا هو عمل المفاوضات بطبيعة الحال.

هل نحن فعلاً على ابواب الطريق الصحيح المؤدي الى حل الدولتين، ام ان ما يحصل ليس سوى محطة جديدة من محطات الالهاء الدولي للقضية الفلسطينية والضبابية التي تلف مصير الفلسطينيين والقدس؟ كل الامور مرهونة بالمواقف في الامم المتحدة من جعل فلسطين دولة كاملة العضوية ام لا، وما سيترتب بعدها من مستجدات وتطورات.