أصبح الحديث عن الأدوية الفاسدة امرا شائعا في العالم أجمع وليس فقط في ​لبنان​ الذي يضرب الفساد فيه كل القطاعات، ولكننا في هذا التقرير لن نتحدث عن "أدوية فاسدة" لأمراض مزمنة، بل ادوية "قاتلة" لمعالجة الزكام.

قامت جمعية 60 مليون مستهلك في فرنسا باختبار 62 دواء لمعالجة الزكام، فوجدت بعد انتهاء الاختبار والدراسات أن دواءً من أصل 2 يجب منعه، والسبب هو وجود مادة أساسية في تركيب معظم هذه الادوية، هي البسودوافيدرين pseudoephedrine، والتي تعتبر مادة خطرة وقاتلة.

تعتبر مادة "البسودوإفدرين" من المواد المنبهة التي تستعمل لتقليل احتقان الأنسجة في الأنف، أي أنها بشكل أساسي تستعمل كمضاد للاحتقان. ولكن المشكلة الأساسية في هذه المادة هي تأثيراتها الجانبية، اذ بحسب الدكتور الفرنسي برونو توسان فإن هذه المادة تضغط وتشدّ على الأوعية الدموية فتقلّل من سيلان الأنف، ولكنها بنفس الوقت تملك المفعول نفسه على الجسم كله، اذ يؤدّي الضغط على الاوعية الدموية لزيادة ضغط الدم وعدم انتظام دقّات القلب والضرر للمخ، ما يعني ارتفاع نسبة الاصابة بالجلطات والسكتات القلبية والدماغية، وخصوصا للذين يعانون من حالات مرضيّة، قد يكونوا على علم بها أو لا.

تتواجد هذه المادة الخطرة في أغلب الادوية المعروفة التي نستعملها لمعالجة "الرشح"، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: "ADOL COLD، PANADOL SINUS CAPLE،PANADOL COLD & FLU CAPLET، Dolirhume، Humex، Rhinadvil، Advil cold and sinus".

بالنسبة للدكتور برونو توسان فإن هذه الادوية يجب وقف استعمالها فورا ويجب ان يعلم المرضى انها تشكل خطرا على حياتهم أكبر من فائدتها عليهم. وهنا تجدر الإشارة الى أن دولا عديدة أصدرت تشريعات تمنع التداول بهذه المادة او تقيّد التعامل بها بحيث تجعلها خاضعة لرقابة الطبيب والصيدلي، ففي ​استراليا​ و​نيوزيلندا​ تم اقرار تشريع يمنع استعمال او التداول بهذه المادة من دون رقابة طبيّة وصيدلانيّة وذلك بعد كثرة الاعتراضات التي وردت بشأنها، كذلك تم منعها بشكل تام في ​كولومبيا​ و​المكسيك​، وفي ​المملكة المتحدة​ أيضا تم وضع قيود على التداول بها.

من منّا في لبنان لا يتجه لأدوية معالجة الزكام فور الشعور ببوادر بداية المرض، خصوصا بظل توافر هذه الادوية في الصيدليّات دون الحاجة الى وصفة طبية. وفي هذا الإطار يؤكد نقيب الصيادلة ​جورج صيلي​ كل ما ورد اعلاه من مخاطر لهذه المادة، ولكنه يشير في الوقت نفسه الى أنّ الحل لا يكون بمنعها بل بتنظيم بيعها.

ويضيف صيلي في حديث لـ"النشرة": "بالاضافة الى تضييق الاوعية الدموية وتأثيرها على الإنسان تستعمل هذه المادة أيضا من قبل لاعبي كمال الأجسام للحصول على الطاقة وتؤدي بهم الى الإدمان". اما عن تنظيم بيعها فيكشف صيلي أن "لا لجنة في لبنان لتحديد مخاطر الدواء وأي منها يجب ان يكون بوصفة طبيّة أو لا يجب أن يكون".

اذا تغيب الرقابة واللجان المختصة في لبنان عن معالجة مشكلة كارثيّة بهذا الحجم، لذلك الى حين اقتناع المسؤولين اللبنانيين بضرورة وجود لجنة كهذه، لا بد للمواطن ان يعلم حقيقة هذه المادة ومخاطرها، وعلى الصيدلي بحسب صيلي أن يقوم بواجبه بسؤال المريض عن تاريخه المرضي وعما يعانيه من حالات قد لا تتناسب مع هذه المادة. ويتابع "إن تنظيم القطاع يحتاج للكثير من العمل خصوصا وأن التزام الصيدلي بقرار عدم بيع أحد الادوية من دون وصفة لا يعني الحل، لأنّ المستوصفات الموجودة بكثرة في لبنان ستبيع الدواء دون وصفة طبيّة ودون رقابة"، كاشفا أن 93 بالمئة من المستوصفات لا يعمل فيها صيادلة.

لا علاقة لخطر وتأثير الدواء بثمنه أو سهولة الحصول عليه، فقد تكون الأدوية بسيطة، رخيصة، ولكنها قاتلة، من هنا تأتي أهميّة "الثقافة" لدى المواطنين لعدم تناول الأدوية عشوائيا.