ليس امراً معتاداً ما شهدته ​ايران​ في الفترة الاخيرة، ولكنه ايضاً ليس سابقة لان المدن الايرانية عاشت في فترات ماضية، احداثاً واضطرابات كبيرة لم تكن محصورة في منطقة جغرافية محددة بل انتشرت في اكثر من منطقة ومدينة. لكن النتيجة في كل الاحوال كانت نفسها، اي سيطرة السلطات الايرانية على التظاهرات واعادة الوضع الى ما كان عليه دون اي تغييرات طالب بها المتظاهرون، اكانت سياسية ام غيرها.

الفارق في التظاهرات الاخيرة، انها ترافقت مع تصريحات واضحة وصريحة من قبل دول عدة، ابلغت فيها دعمها للمتظاهرين ووقوفها الى جانبهم في معركتهم لاسقاط النظام، في خطوة لم تحمل معها اي كلام دبلوماسي منمّق او تعبير مؤيد محدود كما كان يحصل في السابق. من هنا، اتت مواقف كل من الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ والمسؤولين ال​اسرائيل​يين ومنهم رئيس الحكومة ​بنيامين نتانياهو​ والمسؤولين السعوديين بمثابة "طعنة قاضية" للمتظاهرين، الذين باتوا مشبوهين ولم يحصلوا على التعاطف اللازم بسبب الصورة التي حُوصروا فيها من انهم يتعاملون مع اعداء ايران ضد ابناء بلدهم. قد لا يكون هذا الواقع، ولكن هذا الدعم الاعلامي الذي حصلوا عليه من ترامب واسرائيل و​السعودية​، صبّ في خانة السلطة التي لم تعد تخشى المواجهة مع المواطنين المتظاهرين لانهم تحولوا بنظر الجميع الى متآمرين او "خونة"، وان تحركاتهم لم تكن عفوية ومطلبية بل من اجل اهداف سياسية وبدفع خارجي وليس ضمن حركة محلية.

هذه التصريحات العلنية والتي تضمنت دعماً مباشرا وتهديداً لايران، ساهمت بشكل كبير في تقليص الفترة الزمنية التي كان من المتوقع ان تشهدها "الخضّة الايرانية"، وأدّت في المقابل، الى تدويل المسألة بعد تصريحات روسيّة وتركيّة تدعو الى عدم التدخل في الشؤون الايرانيّة الداخليّة، فتحولت المشكلة من ساحة منازلات ايرانيّة-ايرانيّة، الى ساحة منازلة بين السلطة الايرانيّة ومن يؤيدها من الدول من جهة وبين معارضيها من الخارج من جهة ثانية.

ولكن، في مطلق الاحوال، لم يكن من الممكن التوقع ان ينجح المتظاهرون في تغيير الواقع الايراني، ولكن كان الرهان على قدرتهم على احداث نمط معيّن يتحول الى ظاهرة او حالة يعتمد عليها المعارضون من اجل تكوين ظاهرة تسمح للشعب الايراني بتسجيل موقف مناهض للحكومة والسلطة يمكن البناء عليه لاحداث تغييرات يطالب بها المتظاهرون. ومع فشل هذا الهدف، عادت الامور بالنسبة الى مناوئي السلطة الى نقطة الصفر، لا بل ستعيدهم الى الوراء وتضعهم في قفص الاتهام في كل مرة يرغبون فيها المطالبة بتغييرات. وما زاد الطين بلة هو ان التظاهرات اخذت طابع المواجهة وادت الى سقوط قتلى بين صفوف المتظاهرين والقوى الامنية على حد سواء، واعادت صور ما اصطلح على تسميته بـ"الربيع العربي" في عدد من ​الدول العربية​، مع كل ما رافق هذا "الربيع" من تدمير وتشرذم وانقسام للدول المعنية به.

ولا شك انه من غير المحبذ ان تشهد ايران مثل هذا المصير، لان عدم الاستقرار فيها ينعكس سلباً على الوضع في المنطقة برمّته، اضافة الى القلق الذي سينجم لدى الدول التي تتمتع بحدود مشتركة معها ومنها على سبيل المثال: ​تركيا​ و​العراق​ و​الامارات​ و​باكستان​، وهناك قلق حقيقي لدى هذه الدول من تحرك خلايا ارهابية عند حصول اي توتر في الداخل الايراني، فتتوسع هذه الخلايا وتنتشر في اكثر من منطقة وتصبح ايران همّاً جديداً يضاف الى سلسلة هموم يرغب الجميع في تقليصها وليس زيادتها.

وبناء على كل ذلك، كان لا بد للسلطة الايرانية ان تسيطر على الوضع، ولكن التدخل غير الموفق لترامب واسرائيل والسعودية، انهى الامور بشكل اسرع واعطى السلطة دفعاً الى الامام في حين ان هدفهم المعلن كان تقويضها وتراجعها.