عندما تغيب المرجعية الصالحة للعلويين في ​لبنان​ فلا تَعُد تُرى إلاَّ في أحلامِ المتفائلين.

عندما يشرق علينا فجر عام جديد (2018) ونحن الوحيدون في لبنان وربما في هذا الوجود بأسره ما زال يبحث عن إحياءِ مرجعية دينية له.

عندما ترى هذا المجتمع العلوي الضيق بمساحته والمكتظ بكثافته حائراً يتخبط بأوجاعه ومشاكله ولا من يبادر. عندما وعندما وعندما...

في كل يومٍ تتضح لنا الحقيقة جليةً بوضوحٍ أكبر من الذي قبلهِ، وهي أنَّه ممنوعٌ علينا نحن العلويون اللبنانيون أن تكون لنا شخصيةً معتبرةً دينياً قادرة على السير بنا نحو الاندماج الطرابلسي الخاص واللبناني بشكل عامٍ.

ناهيك عن المعضلات المتفاقمة والمتطلبات الملحة المتسارعة يوماً بعد يوم.

يُقال من الجميع وعند الجميع: نحنا بانتظار القرار.

وأيُّ قرارٍ هذا؟ أين يوجد؟ في أيّ بقعةٍ جغرافية في هذا الكون هو؟ مَنْ يستطيع أن ينبس باسمه أو يهمس بذكره علناً؟، آلافُ التهديداتِ وآلافُ الحساباتِ الوهمية جاهزةٌ للإنقاض عليه لاغتياله معنوياً وربَّما جسدياً.

سادتِ الصورة النمطية في مجتمعنا أن الكلام عن التغيير الديمقراطي في ​المجلس العلوي​ وتداول رئاسته من الخطوط الحمراء ممنوع الاقتراب منها وإلاَّ، فالويلُ والثبور وعظائم الأمور تنتظر هذا المتهور المجنون الذي سُيطالب به.

عندما ينقسم مجتمعنا على نفسه بجمعيات ومرشحين وطامحين فاقوا المئة مجتمعين، ولا من يبادر إلى الدعوة للقاء ونبذ الخلافات، بل اتخذ المجلس نفسه طرفاً ضد كل المعترضين.

وهذه هي الحقيقة المُرّة أيها السادة، إنّ المجلس محبوس ومرهون لشخصٍ واحدٍ فقط: من أعلن الطاعة، كُتبت له الشفاعة. والعصا لمن عصى. المجلس مجلسي، فرئيسه بي يُعطي، وبي يُحالف، وبي يُخالف، وبي يعترض، وبي يعمّم، وبي يؤلم. هذا المجلس لا يفعل شيئاً سوى ترصد الأصوات المعترضة والتربُّص بالأشخاص المخالفة لي مع فنجانٍ من القهوة على شرفِ وليمةٍ من النميمةِ والتذاكي على العقول السقيمة...

وقد أُسس هذا المجلس والكل يعرفُ السببـ هو أن يعقد عقد الزواج للعلوي شيخٌ علوي، بعد أن كان في المحاكم الشرعية السنية. وبعد 23 سنة ما زال العقد عند المحكمة الشرعية الجعفرية.

ومع احترامنا للمحكمتين الكريمتين، فقد فشل المجلس حتى في هذه الخطوة البسيطة وهو إنشاء محكمة مستقلة فيه، وكيف ينجح؟ وهم عندما يُطالبون بمحاكم، لا يسعون لإعداد قضاة ومفتين، بل دأبهم محاربة طلبة العلوم الشرعية بشراسة عبر اتهامها بعقيدتها وتآمرها على مجتمعها.

لا أخاف على نفسي شيئاً سوى هذا الحديث الذي اعتدتُ المطالبة به والخوف منه، حتى صار الخوف والقلق والتهديد على مائدتي اليومية في وجبات ثلاثٍ وربما أربع.

خسرتُ الكثير من سمعتي والكثير من صحبتي في مقابل اكتساب الكثير من العداوة. وبعد كل جولةٍ أشعر بقوةٍ أكبر، المهم هذا مصير الأصوات المطالبة بالتعددية في مجتمعٍ مغلقٍ أو أغلقوه. فمن المسؤول عن إضعافنا نحن العلويون في لبنان؟ ما زالت مسيرة الضحك علينا واستغلالنا واستغبائنا مستمرةً.

إنِ التقينا مع حليفٍ لهم أقاموا الدنيا علينا ولم يقعدوها، وإن غضب علينا زمانُنا ولو صدفة عابرة بلقاءٍ مُحرج حتى، مع خصم لهم صُرنا خونة ومتآمرين، وصرنا أكثر من التسعة الرهط مفسدين. كأننا نعيش في مقاطعةٍ في المريخ ليس لها علاقة مع محيطها الأرضي. يحاولون أخذنا إلى مكانٍ لا نشبه فيه لبنان بشيءٍ، لا بالتعددية ولا بالحرية ولا بمماهاته بأفكاره وعاداته، ليس لأنه لا يوجد عندنا طاقاتٌ وخبراتٌ أبداً، بل لأن هناك من تحكم في مفاصل حياتنا السياسية والدينية والاجتماعية والأخلاقية، وهو أبعد ما يكون عن دين وثقافة واجتماعٍ وسياسةٍ.

ونحن مجتمع مليءٌ بالطاقات المتجددة، والخبرات الجاهزة التي تخشى على نفسها المواجهة كي لا تسب وتشتم وتلعن ألف مرة ومرة على ألسنة من يدعي عروبة وديمقراطية ولم يرحم منهما شيئا، ولم يبقِ لهما شيئاً. فمن يحمي الحرية، ومن يرعى التعددية في ​جبل محسن​؟ هذا واجب ​الدولة اللبنانية​ اولاً بأجهزتها الأمنية والقضائية. ومن ثم واجب العقلاء أن يتنادوا إلى إطلاق وثيقة شرفٍ تُلزم أكبر قدرٍ من المصلحين باحترام أدبيات الخلافِ الديمقراطي، وحصر التنافس في إطاره المشروع التعددي.

وواجب وسائل الإعلام التي ظلمتنا ووقفت ضدنا في تعميتها الإعلامية وتغطيتها لطرفٍ وحيد فقط.

فيا صاحب القرار المعظم قدره، يرحم أبوك في قبره، هلاَّ ترحّمتَ علينا وتحنَّنتَ، وأصدرتَ إشارة الانطلاقِ للانعتاقِ، فقد شبعنا عبودية، وكفانا بالله عليك تأخراً ورجعية. آن الأوان أن تكون لنا مرجعية دينية صالحة، مكرمة عزيزة بيننا وفي مجتمعنا، نبني بمعيّتها لبناننا الجميل، ونظهر للجميع رسالتنا الإنسانية، ومشروعنا الحضاري.

ونختم بقول كبيرنا المرحوم بدوي الجبل(1903-1981): قُلْ للحقيقةِ إنْ قَسَوْتِ فَرُبّما فكّ الزمانُ أسيرك المكبولا.

والسلام على طيب الكلام