تستمر أزمة مشروع أوتوستراد بيروت الدائري الذي كان من المفترض أن يربط مناطق ضبية بخلدة منذ أكثر من 60 سنة. هذا المشروع الذي كان من المفترض ان يشكل حلا لمشكلة سير تعاني منها المنطقة الممتدّة من كسروان الى بيروت، الا ان الدولة عندما فكرت في هذا المشروع عام 1964، لم تكن تعلم اننا سنصل الى العام 2018 دون تنفيذه، بل بالعكس يمكننا القول ان فكرة هذا المشروع اصبحت اليوم تشكل ضررا لعدد كبير من المواطنين، لانها حرمتهم من الاستفادة من اراضيهم بسبب عدم استملاكها من قبل الدولة ال​لبنان​ية، ووضع اشارة في الصحف العينية على هذه ​العقارات​، مما جمّد ثروات غير منقولة لأناس هم بأشد الحاجة اليها في الظروف الراهنة، اضافة لعدم وصول المياه إلى المنطقة لاستثمارها ما أدى لتحوّلها إلى أرض جرداء.

هذا المشروع الذي وُضع بداية لربط انطلياس بتلّ الزعتر والحازمية، قبل أن يتم تعديله في العام 1966 ليحمل رقم 5821، ليمتد من خلدة الى طبرجا ويمر بمساحة 221 كلم في عاليه وبعبدا و​المتن الشمالي​ وكسروان، لم ينفّذ سابقا ما جعله غير صالح وتنفيذه مستحيل في الوقت الراهن، خصوصاً بعد أن شيّدت بعض الأبنية في بعض الأمكنة.

في عام 2018، كل حسنات هذا المشروع لم تعد موجودة. فمسار الاوتوستراد السريع موضوع مرسوم التخطيط كان ملحوظا في مناطق بعيدة عن الاماكن السكنية الآهلة، ولقد اصبحت هذه المناطق في يومنا هذا امتدادا للبلدات والمدن التي يفترض ان يمر بها، واصبح هذا المسار محاطا بجانبيه بالابنية وبالمناطق السكنية المكتظة بالسكان، بالاضافة الى ان هذا المشروع سيقسّم المدن والبلدات الى قسمين فيمنع التواصل ويؤدي الى ازدحام سير خانق في المدن والبلدات المصابة اذ من شانه ان يقطع أوصال الطرقات والاحياء.

مظلومية العمّ فيليب

يغرق العمّ فيليب أديب طعمة، الذي تجاوز عمره عمر هذا المشروع بعشرين سنة، بين الأوراق التي تؤكد ملكيته لعقار 272 الزلقا. ويروي الثمانيني كيف ورث هذا العقار في العام 1954 وتعذّر فرزه بسبب أحداث عام 1958 التي شهدها لبنان. بارزاً مستنداته ومراسلاته مع ​مجلس الإنماء والإعمار​ والحكومة و​التنظيم المدني​ والوزراء المتعاقبين على ​وزارة الأشغال​، التي كان موظفاً فيها، ويؤكد أن "كل المراسلات باءت بالفشل، رغم أن العقار لم يُستملك من قبل الدولة بل يوجد اشارة على الصحيفة العقارية ما يحول دون تمكّننا من الاستفادة من الأرض التي ورثناها". ويوضح العم فيليب كيف عدّل على المشروع أكثر من مرة، ليتحوّل عرض الأوتوستراد من 90 متراً إلى 30، نتيجة المباني التي تم تشييدها على هذا المشروع.

قانونياً، الحقوق كان يجب أن تُعاد لأصحابها عملا بالمادتين 17 و18 من القانون الصادر بتاريخ 8/12/2006 والمنشور في العدد 60 من الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 21/12/2006، والذي يقضي بتعديل قانون الاستملاك رقم 58 تاريخ 29/5/1991، بحيث اصبحت دون مفعول وكانها لم تكن لان المادة 17 من هذا القانون تنص على: "تبقى مراسيم تصديق التخطيط النافذة بتاريخ نشر هذا القانون والتي لم يمض على تاريخ صدورها عشرون سنة سارية المفعول على ان لا تزيد مدة نفاذ اي منها عن خمس وعشرين سنة. وتبقى مراسيم تصديق التخطيط التي انقضى على صدورها اكثر من عشرين سنة سارية المفعول خمس سنوات من تاريخ نشر هذا القانون. واذا انقضت هذه المهل ولم تقرر الادارة المعنية المباشرة في تنفيذ الاستملاك الناتج عن التخطيط، اعتبر مرسوم تصديق التخطيط كانه لم يكن وبدون اي مفعول ووجب على الادارة المختصة بمبادرة منها او بناء لطلب من صاحب العلاقة ان تطلب من امين ​السجل العقاري​ ترقين القيود الناتجة عنه"، كما ان المادة 18 منه تنص على انه "في حال صدور مرسوم او اكثر لتعديل تخطيط المشروع ذاته، يعتمد تاريخ مرسوم تصديق التخطيط الاول بالنسبة للمادتين الثالثة عشرة والسابعة عشرة من هذا القانون". وينتهي الطلب بابلاغ امانة السجل العقاري ودوائر التنظيم المدني لشطب اشارتها اينما وجدت.

الا انه وبعد مرور اكثر من 6 أعوام على انقضاء المهلة فان الاشارات الموضوعة على العقارات ما زالت في مكانها ما يحول دون قدرة اصحابها على التصرف باملاكهم وبالتالي منعهم من الاستفادة من حقوق اكتسبوها من ​الدستور اللبناني​ في المادة 15 منه، والتي تنص على ان "الملكية في حمى القانون فلا يجوز ان ينزع عن احد ملكه الا لاسباب المنفعة العامة في الاحوال المنصوص عليها في القانون وبعد تعويضه منه تعويضا عادلا"، هذه المادة من الدستور اللبناني لم تطبق على متضرري "الاوتوستراد الدائري" الذين حرموا من املاكهم طيلة الأعوام الماضية وما يزالون حتى اليوم، دون وجود أي اشارة استملاك أو اشارة وضع يد على هذه العقارات.

معركة الفرز

يعتبر العم فيليب أن هذا القانون قد أعاد جزئياً حقوقه بالعقار، فسارع إلى تقديم طلب لدى المحكمة الابتدائية في المتن في عام 2012، مستندا على القانون المذكور، فأجابت المحكمة على طلباته وأمرت بشطب التخطيطات عن عقاره في الزلقا. الا ان السجل العقاري في المتن لم يقم بتنفيذ قرار المحكمة، ما استدعى اللجوء إلى وزير المال في حينها الذي أمر بدوره بشطب التخطيط عن العقار. ولكن أمين السجل العقاري أصر على رفض ازالة التخطيط، فقام العم فيليب بتقديم شكوى لدى ​هيئة التفتيش المركزي​.

وبعد سلسلة من المراسلات والشكاوى بين التنظيم المدني و​وزارة المالية​ و​مجلس الانماء والاعمار​، وصل طعمة إلى فرز أرضه وتم تدوين ارقام العقارات المفرزة في امانة السجل العقاري ودائرة المساحة في المتن وحررت سندات التمليك وأصبح كل عقار يملكه فرد من أشقاء فيليب طعمة. في آب من العام 2015 "وبعد موافقة مجلس الانماء والاعمار والمجلس الأعلى للتنظيم المدني وبايعاز من هيئة التفتيش المركزي التي أكدت على الاستشارات والقرارات القضائية الصادرة عن هيئة الاستشارات والقضايا في ​وزارة العدل​ و​مجلس شورى الدولة​، فوجئنا بصدور قرار المجلس الأعلى للتنظيم المدني حين أصدر دراسة جديدة بتعديل التخطيط الذي يشمل عقارنا، علماً بأن هذه الدراسة هي نفسها التي تم شطبها عن العقار 272 الزلقا".

أرسل الخبير السابق في وزارة الأشغال العديد من الكتب والمراسلات إلى رؤساء الحكومات ورؤساء الجمهورية، كان آخرها رسالة إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وشرح فيها جميع مراحل هذه القضية مع مستنداتها والاحكام القضائية الصادرة في هذا الموضوع".

يجتمع الحزن والغضب في عيني العم فيليب، مع أنين يرافق صوته الذي يختزل ألم السنين، يصرخ قائلا "وصلت إلى الثمانين من عمري ولم أنعم بالأرض التي أملكها، إلى متى الإنتظار؟ قد ينتهي عمري ولم أستفد من هذه الأرض، وأصبت بداء السكري من جراء هذه المظلومية". وبعينين تحيطهما التجاعيد، يضيف "كل ما أريده هو إلغاء المرسوم لكي نتصرف بالعقار كما نريد وألاّ يطلقوا المشاريع كما يريدون".

ويختم العم طعمة "نحن جميعاً تحت مظلة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كونه "بي الكل" ومنظّم عمل الدستور والساهر على حماية القرارات القضائية الصادرة، وهذا هو الحال في قضيتنا، لذا نرجو منه الاطلاع على مراسلاتنا والتأكيد على ضرورة احترام الدستور والقرارات القضائية الصادرة في هذا الموضوع".

مصادر مطّلعة على الملف تؤكد لـ"النشرة" أن "المشروع لا يزال قيد الدرس، فإما يتم المباشرة بالعمل به أو يتم الغاءه"، لافتةً إلى أنه "في حال تم المباشرة في العمل ستقوم الدولة بالاستملاكات المطلوبة وستدفع للمواطنين كل حقوقهم، واذا لم يتم تنفيذه ستزال كل الاشارات عن العقارات".

حال العم فيليب طعمة يشبه حال العشرات من أصحاب الأراضي الذين لم يستفيدوا من أملاكهم بسبب هذا المشروع. وبناء على كل ما سبق، لماذا تقف الادارة موقفا سلبيا يشكل مخالفة فاضحة لاحكام المادة 17 من القانون رقم 58/91 ويشكل ايضا تعديا على الملكية الفردية؟ وهل ستنصف الدولة مالكي الاراضي ويُرفع عنهم ظلم عمره اكثر من 60 سنة؟.