عام 2015 زادت نسبة الامطار التي تساقطت في ​لبنان​ عن المعدل العام بنحو 40 بالمئة، فذهب الحديث عن "عصر التصحّر" أدراج الرياح التي أثبتت في شتاء موسم 2017-2018 من جديد أنها تجري بما لا تشتهي "المياه الجوفية" الطامحة لكميات كبيرة من ثلوج تروي عطشها.

في 30 تشرين أول الماضي اعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي قفزت بسرعة قياسية في 2016 لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ 800 000 عام. وفي 6 تشرين الثاني أشار الأمين العام للمنظمة بيتيري تالاس، إلى أن "الأعوام الثلاثة الماضية تقع جميعها ضمن السنوات الثلاث الأولى من حيث درجات الحرارة القياسية، وهذا ليس إلا جزءاً من اتجاه احتراري طويل الأمد، معتبرا أن الدراسات العلميّة التفصيلية تشير إلى تغير المناخ بفعل زيادة تركيزات غازات ​الاحتباس الحراري​ المنبعثة من أنشطة بشرية.

إن هذه الدراسات تؤكد أن أمرا ما يتغيّر في المناخ العالمي، ولأن لبنان ليس منفصلا عن العالم فلا شكّ أن التغيّر سيطاله، ولكن من المفيد للغاية التأكيد على أن أي حديث عن "تصحّر" لن يكون سوى بعد مرور ما يزيد عن 15 موسما متتاليا يتم فيها دراسة نسب المتساقطات والبناء عليها، وهو ما لا يمكن فعله في لبنان بالأعوام السابقة اذ أنها شهدت نسب تساقطات متفاوتة فكانت مرتفعة للغاية أحيانا ومنخفضة أحيانا أخرى.

تأتي المنخفضات الجوية هذا العام ضعيفة وقصيرة الأمد بسبب الدرب الطويل الذي تسلكه في طريقها الى لبنان، فالمصدر هذا العام هو من شمال أوروبا باتجاه وسطها ومن ثم لحوض البحر المتوسط، يقول رئيس دائرة التقديرات في ​مصلحة الأرصاد الجوية​ في مطار بيروت ​عبد الرحمن زواوي​. ويضيف في حديث لـ"النشرة": "عندما تأتي المنخفضات الجوية الى منطقتنا من شمال شرق أوروبا تكون قوية وطويلة وتحمل معها الخيرات والحرارة المنخفضة فتكون ​الثلوج​ على مرتفعات أقل من ألف متر ولا تذوب بسرعة لأن الحرارة تبقى منخفضة لأيام".

ويشير زواوي الى ان شهري تشرين الاول والثاني عام 2017 كانا الى حد بعيد يشبهان تشرين الاول والثاني عام 2016، انما الفرق كان في شهر كانون الاول، متمنيا أن يكون شهر شباط باردا وممطرا ومثلجا لكي يعوّض ولو بشكل قليل ما فات من الأمطار هذا الموسم.

إن مجرد النظر الى كميات المتساقطات هذا الموسم منذ بدايته حتى تاريخ اعداد التقرير ومقارنتها بما سبق في الموسم الماضي في نفس الفترة من العام والمعدل العام، يعطينا فكرة واضحة عن الخلل الذي نشير اليه. وهذه بعض النسب التي حصلت عليها "النشرة":

كمية المتساقطات في ​مطار بيروت الدولي​ حتى اليوم 206.9 ملم، الموسم الماضي 374.8، والمعدل العام 382 في طرابلس 313.4 هذا الموسم، الموسم الماضي 373.6، والمعدل العام 394.

في حوش الامراء في زحلة 175.3 هذا الموسم، الموسم الماضي 356.9، والمعدل العام 255.

أما بالنسبة للأرقام الواردة في الصورة(1)، فهي تعطينا فكرة واضحة عن ان كميات الامطار تختلف من عام الى آخر دون وجود نسق تصاعدي أو تنازلي، فكل عام أرقامه ترتفع وتنخفض حسب اتجاه المنخفضات الجوية، بحسب زواوي. ويقول: "إن حلقة القطب الشمالي التي ترسل المنخفضات لا يتحكم بها سوى القدر، كذلك لا خوف على لبنان من التصحّر لوجود الجبال قرب البحر ما يعني أن الأمطار ستستمر بالتساقط على لبنان".

وفي نفس السياق يؤكد زواوي أن منخفضا جويا يومي السبت والاحد سيضرب لبنان حاملا معه الأمطار الغزيرة والحرارة المنخفضة والثلوج التي ستتساقط على ارتفاع 1400 متر، لافتا النظر الى أن منخفضا آخرا سيضرب لبنان الأربعاء المقبل ويستمر ليومين أو ثلاثة وسيحمل معه الأمطار والثلوج على ارتفاع 1200 متر. ويقول: "نتوقع ان تكون درجة الحرارة على ضهر البيدر في الاسبوع المقبل بين صفر و2 ما يعني أن الثلوج التي تتساقط على المرتفعات ستصمد ولن تذوب بسرعة.

يقول البعض أن العالم يتجه نحو التصحّر وينشر الدراسات التي تؤكد نظريته، في يؤكّد غيرهم عبر اثباتات علمية أن الكرة الأرضية ستدخل العصر الجليدي، وبين هذا وذاك تبقى الأمطار نعمة إلهية يُفترض التعامل معها كما ينبغي لا اضاعتها والبكاء عند غيابها.