لطالما اتُهم حزب الله من خصومه بأنه يسعى إلى تغيير النظام أو إعادة النظر في اتفاق الطائف بإدخال تعديلات دستورية تعيد توزيع الصلاحيات بين اللبنانيين.

للمفارقة انتفت راهناً اتهامات فريق 14 آذار لحزب الله، ليأخذ رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ زمام الإفراج عما يختلجه من قلق تجاه سلوك رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ بالعمل على تغييرالواقع السياسي وإعادة تكوين السلطة.

قرّر "الأستاذ النبيه" سلوك اتجاه مغاير عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي يكرّر دوماً ثقته الكبيرة بـ"الرئيس العماد". فضمانة الحزب أنّ عون هو رئيس للجمهورية، بحسب ما ردّد السيد عندما شكلت الحكومة، ولا يزال.

يبدو أنّ علاقة عون – بري في مكان آخر، وربما تختلف حساباتهما عن حسابات حزب الله. وهذا ما تمظهر في أزمة مرسوم منح الأقدمية لضباط دورة العام 1994.

يتوقف العونيون عند دعوة الأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصرالله إلى اعتماد الدستور لحلّ الخلاف في شأن مرسوم الأقدمية للضباط من زاوية أنّ الحزب ليس حَكَماً ولا مرجعاً دستورياً. في حين يعتبر المقرّبون من حزب الله أنّ السيد قصد بكلامه دستور ما بعد الطائف، بحيث باتت المراسيم تحتاج إلى توقيع الوزير المختص إلى جانب توقيعَي رئيسَي الجمهورية والوزراء، ووزير المال الشريك بالتوقيع على كلّ مرسوم تترتب عليه أعباء مالية. فصحيح أنّ اتفاق الطائف لم يعطِ وزارات لأحد، لكن بعد الطائف، تمّ التوافق على إسناد وزارة المال للشيعة تحقيقاً للمشاركة في السلطة.

لعلّ مواقف الرئيس بري في هذه الأيام تعكس انزعاجه من تخطّي ما يُسمّى بالموقع المشارك في القرار، لا سيما أنّ اتفاق الطائف قام على التوافق. توافق لم يتعرّض للاهتزاز في عزّ الأزمات السياسية التي عصفت بلبنان. فما الذي تبدّل؟ تسأل مصادر نيابية في التحرير والتنمية، بخاصة أنّ اتفاقاً كُرّس على هامش الطائف قضى بإسناد حقيبة المال في كلّ حكومة تشكّل إلى الطائفة الشيعية على اعتبار أنّ وزير المال سيشارك الوزير المختصّ ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة توقيع المراسيم، كالحال التي رافقت تكريس اتفاق رئاسة الجمهورية للموارنة ورئاسة البرلمان للشيعة ورئاسة مجلس الوزراء للسنة على هامش النص الميثاقي. بالتالي بات توقيع وزير المال حقاً مكرَّساً بالعرف، بحسب أوساط عين التينة.

لقد اكتفى الرئيس بري أمس، بالقول "ما يُطبَّق اليوم على اللبنانيين هو اللاطائف واللادستور". بيد أنه ترك الكلام للنائب وائل ابو فاعور الذي تحدث من عين التينة عن أنّ مبادرة رئيس المجلس التي حملها إلى بيت الوسط الأسبوع الفائت تمّت فرملتها في لحظة معيّنة، آملاً من رئيس الحكومة سعد الحريري استكمال ما بدأ به. لكن نائب اللقاء الديمقراطي همس عن رغبة عند البعض بالقفز فوق الطائف أو ربما محاولة لتجويفه أو الخروج عليه.

في المقابل، فإنّ ما يجدر التوقف عنده أنّ رئيس الجمهورية وضع قضية المرسوم خلفه، بعدما أنصفت رأيه هيئة التشريع والاستشارات بعدم لزوم توقيع وزير المال. فالرئيس عون، بحسب مصادر مطلعة على موقفه لـ "البناء" لم يرتكب أية مخالفة لاتفاق الطائف، وعبء البيّنة يقع على من يدّعي، بخاصة أنّ الدستور لم يتضمّن أيّ نص بالزامية إسناد وزارة المال للشيعة بدليل أنّ الوزراء غير الشيعة في المالية منذ الطائف أكثر بكثير من الشيعة؛ فالوزراء السابقون جورج قرم، جهاد أزعور، دميانوس قطار، من الطائفة المارونية، والوزير السابق الياس سابا أرثوذكسي. بيد أنّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الرئيس فؤاد السنيورة، الوزير الشهيد محمد شطح، الوزيرة السابقة ريا الحسن، النائب محمد الصفدي من الطائفة السنية.

وبالتالي، لا يعتبر جزءاً من الطائف إلا ما ورد في الوثيقة، لأنه في حال فُتح المجال للقول بوجود اتفاق شفهي في هذه النقطة أو تلك لشُرّع الباب لادّعاءات لا تنتهي. على هذا الأساس يمكن قراءة موقف الرئيس عون لجهة تقيّده بأحكام الدستور حماية للطائف والشراكة، ورفضاً لخيار المثالثة.