أثار المخرج الاميركي ستيفن سبيلبرغ، من حيث لم يدرك، بلبلة كبيرة في ​لبنان​ وصلت اصداؤها الى ​الحكومة اللبنانية​ التي انقسمت الآراء فيها بسبب فيلمه الاخير "ذا بوست" بين مؤيد لعرضه ورافض له. هكذا، بين ليلة وضحاها بات سبيلبرغ على كل شفة ولسان في لبنان، ليس بسبب مسيرته المهنية بل بسبب تعاطفه مع ​اسرائيل​.

وجهتا نظر متباعدتين وضعتا الفيلم وسط جدل بيزنطي، فما هي نقاط الفيلم الايجابية والسلبية وفق النظرة اللبنانية؟ ان منع الفيلم كان من شأنه ان يرضي شريحة من اللبنانيين، خصوصاً وان المسألة تطرق اليها الامين العام ل​حزب الله​ في كلمته الاخيرة، واكتسبت بالتالي فكرة المنع تأييد جمهور الحزب ومؤيديه. ومن شأن المنع ايضاً ان يدفع ربما جماهير عربية في دول اخرى الى اعلاء الصوت بوجوب مقاطعة الفيلم ومنع عرضه في تلك الدول.

ولكن، عرض الفيلم لن يعني عكس هذه الامور بشكل مطلق، فإرضاء شريحة من اللبنانيين يقابلها استياء شريحة اخرى، وبالتالي فالانقسام موجود في هذه الحالة كما ان السجال انتقل الى الاطراف السياسية التي دخلت الى الحلبة في وقت نحن احوج فيه الى التركيز على قضايا اهم واكبر بكثير. عرض الفيلم لن يعني تشجيع ​الدول العربية​ على عرضه، ولكنه سيمنع ربما تذرّع اسرائيل بالحريات العامة واعتبار لبنان مناهض للثقافة وحوار الحضارات، والاهم انها قد تستغله لشنّ حملة سياسية ودبلوماسية مفادها ان ما قالته سابقاً يجسّد سيطرة حزب الله على القرار اللبناني. صحيح ان اسرائيل لا تحتاج الى ذرائع لشن حملاتها على لبنان، وهي لا تتردد في تشويه صورته كلما سنحت لها الفرصة، ولكن قد يكون سحب الذريعة من يدها عملاً مفيداً في هذه الظروف. اضافة الى ذلك، لن يكون عرض الفيلم صكّ براءة لاسرائيل، او لمن يؤيدها، فهناك افلام كثيرة ومخرجون تطرقوا الى الموضوع اللبناني من جهة نظر سلبية وشاهد العديد من اللبنانيين وغير اللبنانيين هذه الافلام دون ان يغيّروا رأيهم او نظرتهم الى الصراع مع اسرائيل.

كما ان مقاطعة فيلم سبيلبرغ قد تدفع البعض ربما الى المناداة بمقاطعة ​اميركا​ بالكامل، كونها مؤيدة لاسرائيل، و​روسيا​ و​فرنسا​ و​اوروبا​ وغيرها من الدول لانها تقيم علاقات صداقة مع اسرائيل، واكثر من ذلك، قد يؤشّر هذا الامر الى ما هو اخطر من ذلك، فيصبح كل من يلتقي مسؤولاً اميركياً او اممياً مؤيداً للتطبيع مع اسرائيل، وهو امر غير منطقي لانه في خضم ​العدوان الاسرائيلي​ على لبنان في العام 2006 وبأفظع اشكاله، التقى المسؤولون اللبنانيون بدءًا من الرئيس السابق ​اميل لحود​ الى رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ وغيرهما من اكبر الداعمين لحزب الله، المسؤولين الاميركيين والاوروبيين الذين زاروا لبنان لمتابعة التطورات وكانت المواقف الاميركية وبعض الدول الاوروبية اكثر من مؤيدة للعنف الاسرائيلي ومتغاضية عن الجرائم التي ترتكب في لبنان، فهل يمكن التساؤل حول معارضة كل من لحود وبري لاسرائيل في حينه؟ وهل اذا زار مسؤول اميركي حالياً العاصمة اللبنانية والتقى رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ وبري وشخصيات سياسية من مؤيدي حزب الله، يوضع هؤلاء في قفص الاتهام بتأييد اسرائيل وتهويد القدس وسلب هويتها؟.

لا تكمن ​مقاطعة اسرائيل​ في مقاطعة من يتعاطف معها دون ان يرتكب جرائم، بل عبر تفعيل المقاطعة العربية لاسرائيل وحثّ الشعوب في كل الدول الى اتخاذ خطوة جوهرية على غرار بعض الشعوب الاوروبية التي عمدت الى عدم استقبال اي منتجات من المستوطنات او تبادل الزيارات العلمية معها حتى العودة عن توسيع الاستيطان في الاراضي الفلسطينية. فأين هو واقع المقاطعة العربية اليوم، وهل نرى تراجع خطوات التطبيع العربي مع اسرائيل على الصعد السياسية والاستخباراتية ام تقدماً نحوها ينذر بما لا تحمد عقباه؟.