لن يخلُص مؤتمر "الحوار الوطني السوري" او ما يُعرف بمؤتمر "سوتشي" الذي ينعقد حاليا في ​روسيا​ الى ترسيخ المراوحة التي يشهدها مسار الحل السياسي في ​سوريا​ فقط، انما يتجه لاعادة عقارب الساعة الى الوراء، مع ترنح اتفاق مناطق "خفض التصعيد" على وقع اعلان الهيئة العليا للتفاوض المُعارضة رفضها المشاركة في المؤتمر، وتلويح "​قاعدة حميميم​" الروسية بأن قرار المعارضة هذا "سيكون له تبعات عديدة على الأرض" لافتة الى أن "تأخر مسار العملية السياسيّة لن يكون لصالح ​المعارضة السورية​ بأي شكل من الأشكال".

وان كان الموقف الرسمي سواء للمعارضة السياسيّة أو العسكريّة ينسجم الى حد بعيد مع التوجه الأميركي المعلن منذ فترة والرافض لاطلاق مسار سياسي روسي جديد في "سوتشي"، الا ان قرار الأمم المتحدة المشاركة في المؤتمر عبر ايفاد المبعوث الدولي ​ستيفان دي ميستورا​، طرح أكثر من علامة استفهام حول نوع من التخبط في ما يُعرف بمجموعة الدول "أصدقاء سوريا" حول كيفية تفعيل مسار الحل السياسي بعد تراكم فشل اجتماعات جنيف ومؤخرا فشل اجتماع فيينا.

وكما وُضعت الوثيقة التي تقدمت بها مجموعة من الدول الاقليميّة والغربيّة على رأسها واشنطن الأسبوع الماضي، وتضمّنت تصوراً مشتركاً لمستقبل سوريا من خلال سلسلة من العناصر بينها تقليص صلاحيات رئيس الجمهوريّة في أدراج الامم المتحدة بعدما اعتبرها النظام السوري تضع البلاد تحت "الوصاية المباشرة للأمم المتحدة"، و"تقسّم سوريا تحت مسمى اللامركزية وتشكيل حكومات مناطقية بصلاحيات كبيرة"، فكذلك من المرتقب ان يكون مصير الأوراق التي ستصدر عن المؤتمر المنعقد في روسيا وأبرزها، بيانا ختاميا يشمل إقرار المبادئ الـ12 التي وضعها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ونداءً إلى الشعب السوري، نظرا للرفض المسبق من قبل المعارضة التعامل مع كل ما يصدر عن "سوتشي" كما المشاركة في اللجان الـ3 المزمع تشكيلها وهي لجنة مؤتمر "سوتشي"، اللجنة الدستورية، ولجنة الانتخابات.

وربط مقربون من النظام السوري وموسكو رفض ​الهيئة العليا للمفاوضات​ المعارضة المشاركة في "سوتشي" برفض وفد الحكومة السورية في فيينا مجرد النقاش بالورقة التي تقدمت بها واشنطن وعدد من الدول الاقليمية والغربية، علما انّهم كانوا يرجحون تجاوب المعارضة مع موسكو خاصة بعد زيارة وفدٍ من الهيئة مؤخّرا لروسيا ولقائه وزير الخارجية ​سيرغي لافروف​. لكن يبدو ان الأخير لم يعطِ للوفد المعارض اي ضمانات او وعود تغريه للمشاركة في "سوتشي"، لا سيّما وأن الروس وجهوا دعوات شخصية للمشاركة في المؤتمر ولم يتوجهوا لكيانات او مجموعات بحد ذاتها، ما فاقم استياء المعارضة. وفي هذا الاطار، قالت مصادر رفيعة في الهيئة العليا ان كل ما تسعى اليه موسكو هو جمع أكبر عدد ممكن من السوريين في قاعة في "سوتشي" لتوجيه رسالة الى المجتمع الدولي بنجاحها بجمعهم للحوار وبالتالي تنصيب نفسها كراعية رسميّة لهذا الحوار، وتساءلت المصادر عن "أي حوار هو هذا الّذي يشارك فيه 1600 شخص ولا تشارك فيه الهيئات الممثلة للمعارضة والفصائل العسكرية الفاعلة على الأرض"؟.

وبحسب المصادر، فان روسيا "وجهت دعوات لعدد كبير من الاعلاميين كأعضاء ومشاركين في الحوار سعيا منها فقط لرفع عدد الحاضرين، الا ان المشهد الذي سيُنقل من سوتشي لن يكون له أي أثر يُذكر، لا بل انّه سيرسّخ فشل موسكو في اطلاق مسار جديد يسير بالتوازي مع مسار جنيف وآستانة".

بالمحصلة، يبدو واضحا ان موعد الحل في سوريا لم يحن بعد. فلا النظام السوري و​ايران​ سيضعان أوراقهما على الطاولة قبل السيطرة على ادلب، ولا المعارضة في موقع يخولها التفاوض في ظل الخسارات الكبيرة التي تتكبدها في الميدان. وحدها روسيا مستعجلة للحلّ خوفا من الغرق أكثر في مستنقع الحرب، وسعيا لاستثمار ما حققته في انتخاباتها الرئاسية المقبلة.