نوّه رئيس "حركة الأرض" ​طلال الدويهي​، إلى أنّ "​لبنان​ ومنطقة ​الشرق الأوسط​، يشهدان تحوّلات مصيريّة تتبدّل معها الأنظمة السياسية والجماعات البشرية والكيانات الجغرافية ويتبدّل معها التاريخ. إنّ الأرض الّتي عرفت ولادة المسيح، ودعي فيها المؤمنون للمرّة الأولى بالمسيحيين، وشاركوا فوقها بفعالية وحرية في بناء أوطانهم وتشكيل تراثهم، وتحصيل هويّتهم الروحية والثقافية، هذه الأرض الّتي انطبع تاريخها بطابع مسيحي مشرق، تتحوّل في حاضرنا الراهن أرضاً خالية من المسيحيين"، مركّزاً على أنّها "قضية العصر، ​المسيحيون​ ضحاياها، إنّهم ضحايا العنف والتوترات الأمنية والسياسية والتدهور الإقتصادي وتنامي الأصولية الدينية والتطرف وانفتاح ساحات الإضطراب والقتل والموت، وكلّها تؤدّي بالمسيحيين إلى خيار من ثلاثة خيارات مؤلمة".

وأوضح الدويهي، خلال افتتاح مؤتمر "الوجود المسيحي في لبنان والشرق الأوسط" في العاصمة البلجيكية ​بروكسل​، أنّ "أولّ الخيارات، هو وجود معدوم الدور والحضور وجود أهل الذمة، وثانيها تهجير وهجرة إلى أرض جديدة، وثالثها شهادة الدم والموت"، مشيراً إلى "أنّها الخيارات المؤلمة المأساوية الّتي يعيشها مسيحيو لبنان والشرق الاوسط. بها يتبدل التاريخ مع تبدلات الجغرافية السياسية والبشرية والاقتصادية. ومعها ترتسم أمام العالم صورة مأساة إنسانية جديدة بأبعادها الدينية والثقافية المتعدّدة. المأساة هي محو الوجود المسيحي من لبنان والشرق الاوسط، وأبعادها تقطيع الأرض والأوطان، وإقامة شرق أحادي اللون ينافي تاريخه المتنوع الغني".

وشدّد على أنّ "قضية العصر هي أن تكون كمسيحي أو لا تكون. يبتلعك تكاثر العدد لدى الآخرين، ويقهقرك التدهور الإقتصادي بالفقر وانعدام الموارد، وتحبطك أنظمة سياسية تستبيح الحقوق والكرامات والمقدرات لتحفظ أربابها متربعين على عروش التسلّط والتحكّم والتملّك العمياء، ويهدّدك سكين وسيف على العنق ذبحاً بربريّاً"، مركّزاً على أنّ "قضية العصر الإنسانية هي الوجود المسيحي في لبنان والشرق الأوسط. إنّها قضية الإبقاء على قيم السلام والعدالة وحقوق الإنسان وقبول الآخر المختلف وسط تطرّف ديني يفتك بكلّ الجماعات، ويرفض التعايش القديم للأجيال، ويستخدم كلمات الوحي والكتب المقدسة وإسم الله لتبرير لجوئه إلى العنف، مرتكباً جريمة بالغة الخطورة، وفق ما وصف البابا بندكتوس السادس عشر خلال أحد لقاءاته مع السلك الديبلوماسي وممثلي الاديان الرئيسية سنة 2011".

وبيّن الدويهي، أنّ "بعد هذا الوصف النظري للجريمة، يتمادى ارتكابها بأدواتها المادية المدمرة. وتتراءى صورة القضية المؤلمة فوق خريطة الشرق الأوسط المشوّه المبتور المقطع الأوصال"، موضحاً أنّ "في لبنان تراجع يتمادى للدور والحضور المسيحيين: الإدارات العامة المدنية والأمنية تخلو تباعا من المسيحيين، أراضي المسيحيين موضوع هجمة شرسة للشراء وتبديل هوية الجغرافيا، فقدان الأمل عنوان عريض لدى الشباب يواجهون به الواقع المتردي هذا، موقع ​رئاسة الجمهورية​ الموقع المسيحي الأول الوحيد في الشرق الأوسط يخلو من رئيسه المسيحي نتيجة ارتهان أعمى للافرقاء السياسيين اللبنانيين، ووسط تهافت أعمى مدمّر على السلطة للفريقين المسيحيين المتصارعين على ​حقوق المسيحيين​ وكرامتهم ووجودهم ودمهم".

ولفت إلى أنّ "في ​سوريا​ و​العراق​ تتهاوى الأرض بمسيحييها ومسلميها، ويدمّر تاريخهم المشترك، وتنفتح أبواب الحرب والقتل تلتهم الجميع، تؤدّي بالمسيحيين الى الموت والهجرة، تاركين تراثاً حضاريّاً عظيماً وإسهامات كبيرة في نهضة عربية كانوا هم أساسها المضيء، تاركين كل هذا بغفلة من الضميرالعالمي المحكوم بالمصالح المادية بعيدا من كلّ القيم الإنسانية".