هل يكون لقاء بعبدا بين الرؤساء الثلاثة مجرّد ربط نزاع بين أطرافه في ضوء الأزمة الأخيرة، أم ان التفاهمات الثلاثية التي حصلت في لقاء الساعة ونصف الساعة شرعت الأبواب واسعاً امام طي ما حصل، والذهاب في اتجاه إنجاز الاستحقاقات ومعالجة الملفات، وتحصين الداخل لمواجهة التحديات.

ما من شك ان ملامح الرئيسين نبيه برّي و​سعد الحريري​ في بهو ​قصر بعبدا​، وما باح به رئيس المجلس في ​عين التينة​ امام موفد النائب ​وليد جنبلاط​ النائب ​وائل أبو فاعور​، وكرره امام زواره ليلاً، وما تضمنه البيان الختامي لهذا اللقاء أوحى لا بل أكّد بأن ما حصل في القصر الرئاسي ليس مجرّد ربط نزاع، بل هو أكبر من ذلك بكثير إذ انه نجح في إعادة الأوضاع إلى أطرها الدستورية والقانونية وبذلك يكون هذا الاجتماع قد حقق نتائج باهرة من خلال سحبه فتيل انفجار الشارع والحؤول دون انفلاته من عقاله، كما انه رسم خارطة طريق للمساحة التي تفصلنا عن اجراء ​الانتخابات​ النيابية تبدأ بفتح دورة استثنائية لمجلس النواب تمكنه من إقرار المشاريع واقتراحات القوانين الموجودة في ادراجه بالإضافة إلى إقرار الموازنة في هذا المجلس كون انه من الممكن ان يطول تأليف الحكومة الجديدة التي ستلي الانتخابات في السادس من أيار وهو ما أعلنه الرئيس برّي امام زواره ليل أمس.

وعدا عن ذلك كلّه، فإن المخاوف كانت قد انتابت كل المسؤولين من إمكانية ان يخسر ​لبنان​ فرصة الاستفادة من عدد من المؤتمرات الدولية التي ستعقد من أجل مساعدته إن على المستوى الأمني والعسكري، أو على المستوى الاقتصادي، ومساعدته ايضا على مواجهة تداعيات ​النزوح السوري​، غير ان اجتماع بعبدا جاء ليبدد هذه المخاوف ويوفر المناخات الملائمة على كافة المستويات السياسية والأمنية من أجل تشجيع الدول المعنية على تقديم يد العون للبنان بعيداً عن أية هواجس كان من الممكن ان تجعل بعض الدول تتردد في تقديم أية مساعدات. وإضافة إلى ذلك كلّه فإن ما خلص إليه اجتماع القصر الرئاسي بين الرؤساء الثلاثة قد فوّت على العدو ال​إسرائيل​ي فرصة الاستفادة من الوضع السياسي الهش في لبنان، لا بل انه وجه رسالة مضادة مفادها بأن لبنان بمختلف اطيافه السياسية سيكون صفاً واحداً في مواجهة أي عدوان إسرائيلي يستهدف ثروته النفطية، وان الإجراءات المطلوبة لهذه المواجهة ستوضع في وقت قريب لمنع إسرائيل من بناء الجدار الفاصل وبالتالي وضع اليد على «البلوك 9».

وفي تقدير مصادر سياسية متابعة ان مفاعيل اللقاء الثلاثي ستبدأ ترجمته بالظهور في غضون أيام قليلة وان باكورة هذه الترجمة سيكون فتح دورة استثنائية لمجلس النواب تمكنه من تفعيل دوره في المُـدّة المتبقية من عمره حتى أيّار المقبل، وهذا بدوره سينعكس إيجاباً على الإنتاج الحكومي، حيث شجع هذا التفاهم على وضع جدول أعمال فضفاض لجلسة ​مجلس الوزراء​ يوم غدٍ الخميس مؤلف من 93 بنداً سيناقش في ظل هدوء تام بين مكونات المجلس، وقد عكس ذلك الرئيس برّي ايضا امام زواره ليل أمس بقوله «اننا سنذهب إلى جلسة الخميس لأننا اكدنا مراراً استمرار عمل ​المؤسسات الدستورية​ وسنتعاون مع الجميع من دون تراجعنا عن مواقفنا الثابتة». هذه المناخات الإيجابية المتأتية عن اجتماع قصر بعبدا ستؤدي حكماً إلى تفعيل العمل الحكومي بعد ان فرملته الأزمة الأخيرة، وسيكون لذلك مردود ايجابي على مجمل الوضع العام الذي اصيب بالانكماش طيلة الأسابيع الماضية، كما انه سيعطي المعنيين بالشأن الانتخابي قوة دفع باتجاه رسم خريطة التحالفات بعيداً عن الضغوط والاشتباكات السياسية، وانطلاقاً من ذلك فإنه من المنتظر ان تبدأ اللوائح الانتخابية بالظهور بدءاً من منتصف هذا الشهر لا سيما منها اللوائح الكبرى، وفي هذا السياق من المقرّر ان ينتقل الرئيس نبيه برّي- وهو أكثر المتحمسين لاجراء هذه الانتخابات في موعدها- إلى دارته في المصيلح لمواكبة ماكينة حركة «امل» الانتخابية، وسيكون له محطة مع مؤتمر صحافي يعقده يتناول فيه الاستحقاق الانتخابي من مختلف جوانبه والمخاطر المتأتية من عدم حصوله على أكثر من احتمال خصوصاً وان هناك في تقديره اطرافاً في الداخل والخارج لا تريد هذه الانتخابات خوفاً من ان يحصد أحد الأطراف حصة كبيرة من المقاعد، من دون استبعاد ان يعلن رئيس المجلس أسماء مرشحيه إلى هذه الانتخابات، كون ان باب قبول طلبات المرشحين سيبقى مفتوحاً في ​وزارة الداخلية​ حتى منتصف ليل السادس من آذار المقبل.

ووفق معطيات المصادر فإن التحالفات الانتخابية وفق القانون الجديد ستكون مختلفة عن كل التحالفات السابقة، كما ان اللوائح لن تكون موحدة امام الاختراقات كما كان يحصل في السابق، وهذا الأمر سيؤدي حكماً إلى نقصان اعداد بعض الكتل الحالية مقابل زيادة في اعداد كتل أخرى، مما يعني اننا سنكون امام خارطة سياسية جديدة من شأنها ان تحدد معالم المرحلة المقبلة.