علّمتنا دروس التاريخ أن السقطة التي لا تُميت تمنَح الشعوب طاقة النهوض بإصرار اكبر….

في تاريخه العريق اجتاز لبنان أهوالاً كثيرة، ومنذ منتصف القرن الماضي عرفنا محناً نتحمل جميعاً مسؤوليتها.

اما وقد تراجعت نسبياً، فإن ذيولها لا تزال تواجه لبنان على شكل تحديات كبيرة في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والنمو والبيئة.

في قناعتي أن المهمة الآنية، تقضي بمعالجة الأمور الحياتية والاقتصادية المُلحة، ومناقشة المسائل الميثاقية في لحظة وطنية ملائمة بعيداً عن التشنج والشعبوية السائدة.

لعل اكبر التحديات التي تواجه إعادة “صناعة لبنان”، افتقادنا الخطط البعيدة الأجل ولكل القطاعات. فسياسة الإرتجال أعاقت تطور الدولة والرؤية القائمة على المقاربات العلمية والإحصاء.

صحيح أننا أعدنا بناء ما هدمته المدافع، ولو بكلفة عالية، لكننا قصّرنا في بناء الدولة لقيامها بواجباتها تجاه مواطنيها.

بمقاربة واقعية وموضوعية لتحديات عصرنة لبنان – الدولة، فإن ابرز ما يُقلقنا اليوم، هو عبء الدين العام الذي بلغ مستويات عالية خطيرة بات يفوق بكثير قدرة اقتصادنا الوطني على تحمله. فكلفة فوائد الدين العام تستهلك نسبة مرتفعة من اعتمادات الموازنة، ما يحرم المواطنين إقرار مشاريع إنمائية واجتماعية وسواها، ويعوق النموّ الاقتصادي العام. يُضاف إلى ذلك غياب الموازنة سنوات طويلة، والتهرّب الضريبي، ومسائل الفساد والرشوة والهدر في المال العام، والصفقات الكبرى بالتراضي…

“معاً لنصنع لبنان”؟!

نعم بالتأكيد. إنَ توافقنا العام في كل المجالات، وفوق كل الاعتبارات المصلحية الشخصية، هو المدخل الأساس لأي إصلاح حقيقي، وهدف أي حوار…

الحاجة ماسة إلى تحديث الدولة في التشريع والمؤسسات والخدمات والأداء العام وفي إشراك القطاع الخاص والمواطن في عملية البناء المنشودة. ولعل اقرار قانون “تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص”، إذا احسنَا تطبيقه، يؤدّي هذا الغرض.

ان زيادة حجم الاقتصاد والدخل العام بحاجة إلى إعادة نظر شاملة، تبدأ بإقرار موازنة عامة عصرية وفي مواعيدها الدستورية، خروجاً على تقليد زيادة الأجور وفرض الضرائب، وتمرّ بتبسيط المعاملات الرسمية والروتين الإداري، وصولاً الى تفعيل اللامركزية الإدارية لتخفيف الأعباء عن المواطنين وتسهيلاً للاستثمارات الخارجية، ما يؤدي حتماً الى تكوين فرص عمل جديدة. والأهم من كل ذلك استحداث قوانين تدعم استقلالية القضاء والقضاة.

قضاءٌ عصري مستقل ضامن للحقوق والحريات العامة.

وتبقى معضلة ايجاد الحلول لإنتاج الكهرباء واللغط الدائر حولها مسألة جوهرية لا تحتمل التأجيل والمواربة، الى الطموح بإنتاج الطاقة النظيفة، إلى توفير المياه عبر السدود المدروسة وحماية البحر والانهار والمياه الجوفية..

ويشكّل الاعتداء الدائم على البيئة هاجساً ملحاً لإيجاد حلول علمية لمشكلة النفايات، الى جانب تلويث مياه البحر والتربة وضرورة حماية الغابات من العمران العشوائي، وإعادة تكوين ثروتنا الحرجية والحيوانية البرية، وهذه جميعها تحسّن نوعية صحة الحياة للبنانيين، وتشكّل عامل جذب للسياحة الأجنبية كأحد عناصر الدخل الوطني….

اما موضوع النفط، فالمصلحة الوطنية تقضي مقاربته بعلمية وواقعية وشفافيةٍ بعيدا عن المصالح الشخصية، لتشكّل هذه الثروة الوطنيةً مورداً لنا وللأجيال القادمة.

لبنان اليوم يستعد لاستحقاق دستوري مهم. فالانتخابات النيابية تشكّل مفصلاً لإعادة تكوين سلطة اشتراعية تجدّد الحياة السياسية – البرلمانية في لبنان. كلّ الأمل بأن تشارك شريحة واسعة من اللبنانيين وبالأخص من شبابنا، ترشيحاً وانتخاباً، وصولاً إلى تحقيق طموحات وطنية ببناء الدولة الحديثة، يكون للمرأة فيها دور اساسي وفعال بالتساوي مع الرجل.

ختاماً، مسؤوليتنا ان نستنهض في كل يوم، لبنانَ قوياً، بطاقاته وثرواته البشرية وبتجديد الثقة بقدراتنا.

ان نصنع لبنان ؟

نعم قادرون بتعقّلنا وبالدفاع عن أرضنا ومصالح لبنان العليا.

الأمل في جيل الشباب، الرأسمال الكبير وقوة التغيير الحقيقية، إيماناً بأن بناء الاوطان مسار لا يتوقف.

رهاننا على طموحات الشباب لبناء الدولة العصرية، العادلة، الحاضنة.