يا إخوَتِي، أَمَّا الأَزْمِنَةُ والأَوقَات، أَيُّهَا الإِخْوَة، فلا حَاجَةَ بِكُم أَنْ يُكْتَبَ إِلَيْكُم في شَأْنِهَا؛

لأَنَّكُم تَعْلَمُونَ جَيِّدًا أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ يأْتي كَالسَّارِقِ لَيْلاً. فحِينَ يَقُولُون: سَلامٌ وأَمْنٌ! حِينَئِذٍ يَدْهَمُهُمُ الهَلاكُ دَهْمَ الْمَخَاضِ لِلحُبْلى، ولا يُفْلِتُون. أَمَّا أَنْتُم، أَيُّها الإِخْوَة، فَلَسْتُم في ظُلْمَةٍ لِيُفَاجِئَكُم ذلِكَ اليَومُ كالسَّارِق. فأَنْتُم كُلُّكُم أَبْنَاءُ النُّور، وأَبْنَاءُ النَّهَار؛ ولَسْنَا أَبْنَاءَ اللَّيلِ ولا أَبْنَاءَ الظُّلْمَة. إِذًا فلا نَنَمْ كَسَائِر النَّاس، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ؛ لأَنَّ الَّذِينَ يَنَامُونَ فَفي اللَّيلِ يَنَامُون، والَّذِينَ يَسْكَرُونَ فَفي اللَّيلِ يَسْكَرُون. أَمَّا نَحْنُ أَبْنَاءَ النَّهَار، فَلْنَصْحُ لابِسِينَ دِرْعَ الإِيْمَانِ والمَحَبَّة، ووَاضِعِينَ خُوذَةَ رَجَاءِ الخَلاص. فإِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلغَضَب، بَلْ لإِحْرَازِ الخَلاصِ بَرَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيح، الَّذي مَاتَ مِنْ أَجْلِنَا، لِنَحْيَا مَعَهُ سَاهِرِينَ كُنَّا أَمْ نِائِمِين. فَلِذلِكَ شَجِّعُوا بَعضُكُم بَعْضًا، وَلْيَبْنِ الوَاحِدُ الآخَر، كَمَا أَنْتُم فَاعِلُون(رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل تسالونيقي 5 / 1 - 11).

في رسالة القديس بولس هذه دعوة الى السهر والتنبه الينا نحن المؤمنين وكأننا في معركة، مستعملا مفردات عسكرية مثل الدرع والخوذة للدلالة على جدية التعامل مع ازمنة واوقات مجيء الرب على المستوى الشخصي.

أما الخطر الذي يصيب المؤمن فهو الكسل في السهر، الكسل في المحبة، الكسل في الايمان.

أولا-الكسل في السهر، على تربية الضمير: ان القول "سلام وأمن" يشبه المقولة الشهيرة في أيام الحرب، "سالكة-آمنة"، اذ يطمئن الشخص عابرا طريق الخطر دون تنبه، حتى يفاجئه قناص كالسارق، حينئذ "يَدْهَمُهُ الهَلاكُ دَهْمَ الْمَخَاضِ لِلحُبْلى، ولا يُفْلِتُ"... كذلك التساهل مع الضمير "المطاط" يصل بنا ترك حياتنا دون حراسة مشددة مما يسهل عمل اللصوص المرئيين وغير المرئيين من سلب ارادتنا بحجة أن كل الناس تفعل ذلك، "شو وقفة علي"؟.

ثانيا-الكسل في المحبة: يقال أن ​الزواج​ هو مقبرة الحب، هل هذا صحيح؟. يشبه أحد الكتاب "الكسل في الحب" بمراحل الزكام السبع عند الزوجين، اذ يصف ردة فعل الزوج حينما تصاب زوجته بالرشح، في السنة الاولى، يقول الزوج "حبيبتي انا قلق عليك سوف اخذك الى المستشفى لاجراء فحوصات طبية شاملة، لا تقلقي سأتولى أمور البيت". في السنة الثانية، "حبيبتي لقد اتصلت بالطبيب لكي يأتي الى هنا حالا". في السنة الثالثة، "من الافضل أن تستريحي، لا شيء أفضل من الراحة في الوعكات الصحية". في السنة الرابعة، "يمكنك أن تستريحي بعد أن تطعمي الأولاد، تغسلي الاطباق وتنتهي من ترتيب البيت". في السنة الخامسة، "أليس من الافضل أن تتناولي بنادول"؟. في السنة السادسة، "ابحثي عن دواء وخذيه عوضا عن الجلوس هنا وازعاجي بكل هذا العطس والسعال". في السنة السابعة، "توقفي عن السعال، سأصاب بالعدوى بسببك". هذه الصورة الساخرة تعبر عن واقع أليم بين الازواج، ربما لا يأخذ التقهقر في العلاقة سبع سنوات، بل 7 سبعة أشهر أو أقل. أما الزوج الذي لا يتكاسل في حب زوجته فينساب اللطف وكلام الاطراء من شفتيه والرقّة، ولو بعد سبعين سنة زواج كما يقول سفر الامثال: "زوجها أيضا يمدحها"(أمثال 31 / 28)، أني نه يتكلم معها وعنها علنا، أمام الناس وأمام أولاده، كما لو كان في السنة الاولى أو الشهر الاول من زواجه.

ثالثا-الكسل في الايمان. "شَجِّعُوا بَعضُكُم بَعْضًا، وَلْيَبْنِ الوَاحِدُ الآخَر"، يتعلم الانسان من خلال التماهي بالآخرين، فيتعلم منهم الكلام وتسمية الاشياء، يستطيع أن يضبط انفعالاته، يتعود على نمط الحياة من سلوك وقيم، يفهم ايقاعات الليل والنهار، يعي دوره داخل الاسرة، ويبني قناعاته في الحياة.

يبنى الايمان، كما يبنى البيت من خلال المساعدة والتشجيع. أقله التبريك في جو من الفرح والسلام والصلاة. والانسان يبني بيته حسب النظام المتبع في المنطقة، كذلك يبني ايمانه بمساعدة الجماعة وعلى مثالها. "هذِهِ هي الوَصايا والفَرائضُ والأحكامُ التي أمَرَ الربُّ إلَهُكُمْ أنْ أُعَلِّمَكُمْ لتَعمَلوها في الأرضِ التي أنتُم عابِرونَ إليها... وقُصَّها علَى أولادِكَ، وتكلَّمْ بها حينَ تجلسُ في بَيتِكَ، وحينَ تمشي في الطريقِ، وحينَ تنامُ وحينَ تقومُ، واربُطها عَلامَةً علَى يَدِكَ، ولتَكُنْ عَصائبَ بَينَ عَينَيكَ، واكتُبها علَى قَوائمِ أبوابِ بَيتِكَ وعلَى أبوابِكَ"(تثنية 6 / 1 و6 / 7 – 9).

الموت يعطينا الراحة الدائمة

قالَ الربُّ يَسوع: "كَانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ يَلْبَسُ الأُرْجُوانَ وَالكَتَّانَ النَّاعِم، وَيَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ بِأَفْخَرِ الوَلائِم. وكانَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ ٱسْمُهُ لَعَازَرُ مَطْرُوحًا عِنْدَ بَابِهِ، تَكْسُوهُ القُرُوح. وكانَ يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الفُتَاتِ المُتَسَاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الغَنِيّ، غَيْرَ أَنَّ الكِلابَ كَانَتْ تَأْتِي فَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ.

وَمَاتَ المِسْكينُ فَحَمَلَتْهُ ٱلمَلائِكَةُ إِلى حِضْنِ إِبْرَاهِيم. ثُمَّ مَاتَ الغَنِيُّ وَدُفِن. وَرَفَعَ الغَنِيُّ عيْنَيْه، وَهُوَ في الجَحِيمِ يُقَاسِي العَذَاب، فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيد، وَلَعَازَرَ في حِضْنِهِ. فَنَادَى وقَال: يا أَبَتِ إِبْرَاهِيم، إِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لَعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُتَوَجِّعٌ في هذَا اللَّهِيب. فَقالَ إِبْرَاهِيم: يا ٱبْنِي، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْراتِكَ في حَيَاتِكَ، وَلَعَازَرُ نَالَ البَلايَا. والآنَ هُوَ يَتَعَزَّى هُنَا، وأَنْتَ تَتَوَجَّع. "والآنَ هُوَ يَتَعَزَّى هُنَا"(لوقا 16 / 19 – 31).

في صلاة وضع البخور(حسب ​الطقس​ الماروني)، يصلي الكاهن قائلا: "الراحة الدائمة أعطه يا رب". بشريا انتهى كل شيء، لأن كل شيء أصبح من الماضي... يعيق المرض حركة الانسان حتى يصبح متعبا أسير الفراش عاجزا عن فعل أي شيء. أليس المرض موتا؟ أليس التعب موتا؟ أليست الراحة الدائمة برفقة الابرار والصديقين هي النصيب الافضل؟ أليست الراحة الدائمة هي القيامة المنتظرة للأحياء والاموات؟.

في آخر سفر دانيال يأمره الرب على لسان "الرئيس العظيم مخائيل" قائلا له "أمّا أنتَ يا دانيآلُ فأخفِ الكَلامَ واختِمِ السِّفرَ. واذهَبْ إلَى النِّهايَةِ فتستَريحَ"(دانيال 12 / 4 و13).

الراحة الدائمة هي الحرية

كلنا ننتظر يوم الراحة (العطلة) لنتحرر من الدوام، من النظام، من الوقت، من ثقل العمل، من الانتظار، لنذهب الى مواعيد جديدة نصنعها على راحتنا في حرية تامة. كأن العمل هو سجن والراحة تصبح هدف كل من يتوق الى الحرية. كما أن السجين يطمح الى الحرية والشعوب المغلوب على أمرها تشتري الحرية بدماء أبنائها، هكذا تتوق النفس الى التحرر من ثقل الخطيئة التي تجلب الموت لفاعلها، ومن ثقل الجسد الذي يحدّ من حركة صاحبه.

ألم يتوجه صاحب المزامير الى الرب صارخا، طالبا منه بالحاح "أصغِ يا رب إلَى صُراخي، لأنِّي قد تذَلَّلتُ جِدًّا... أخرِجْ مِنَ الحَبسِ نَفسي، لتمجيد اسمِك"(مزمور 142 / 6 – 7).

من منا لا يتذكر نشيد سمعان عندما رأى وجه الطفل يسوع: "الآنَ تُطلِقُ عَبدَكَ يا سيّدُ حَسَبَ قَولِكَ بسلامٍ, لأنَّ عَينَيَّ قد أبصَرَتا خلاصَكَ (لوقا 2 / 29 – 30) بما أن وعد الله قد تمّ فسمعان يستعد لتقبّل الموت بفرح. هكذا انتظرت تريز الطفل يسوع ساعة موتها، لتتحرر من ثقل جسدها، اذ كانت تبتهج كلما سمعت الجرس يدق على رأس كل ساعة لأن موعد التحرر واللقاء بالحبيب (يسوع) قد اقترب.

الراحة الدائمة هي رؤية مجد الله

عاش التلاميذ مع يسوع 3 سنوات ولم يروه، لكن عندما أراهم مجده متجليا أمامهم على الجبل، عرفوه بعين الايمان، ساعتئذ انبهروا ورفضوا أن ينزلوا عن الجبل "يا معلم, ما أجمل أن نكون هنا"(مرقس 9 / 5). لقد تحول التلاميذ روحيا على مستوى الجوهر والكيان. هذا ما اختبره أيوب في قمة ألمه اذ قال، "بعد أن يفنى جلدي ومن دون جسدي أرى الله".

الراحة الدائمة هي عطية الفرح الدائم

يرسم لنا ​عرس قانا​ الجليل لوحة واقعية عن فرح البشرية الناقص، حتى في أوقات الذروة يبدو هذا الفرح هشًّا ودون المستوى، لا بل يكون معرضا للزوال ما لم يكن الرب حاضرا وضامنا لاستمراريته ومتمما كل نقص فيه. عرس قانا الجليل هو صورة مسبقة عن العرس السماوي في الملكوت، حيث أن " الّذينَ فَداهُمُ الرّبُّ عِندَ رُجوعِهِم إلى صِهيَونَ مُرَنِّمينَ وعلى وجوهِهِم فرَحٌ أبديٌّ. يتبَعُهُمُ السُّرورُ والفَرحُ، ويهرُبُ الحُزنُ والنَّحيـبُ"(أشعيا 35 / 10)

الراحة الدائمة هي نعمة القداسة

كما أن الرب هو الذي يكمل فرحنا فهو أيضا يكمل نقصنا. فكلما نظرنا الى أحد القديسين نشعر فعلا بالنقص، لكن من جهة ثانية اذا عدنا الى تاريخ هذا القدّيس لا نجد الكمال في حياته منذ البداية، الكثير من القديسين كانوا من كبار الخطأة، والرب كمّلهم وجمّلهم بنعمته. لذلك لا يطوّب ولا يعلن عن قداسة أحد في حياته، حتى يصل الى القمة، الى الذروة، الى الاعلى الى ساعة الموت، لأن كُلُّ "عَطيَّةٍ صالِحَةٍ وكُلُّ مَوهِبَةٍ تامَّةٍ هي مِنْ فوقُ، نازِلَةٌ مِنْ عِندِ أبي الأنوارِ، الَّذي ليس عِندَهُ تغييرٌ ولا ظِلُّ دَوَرانٍ"(يعقوب 1 / 17).

الراحة الدائمة هي نعمة الشبع

يقول الفيلسوف الالماني فيورباخ أن "الانسان كائن جائع". وقد ازداد جوعا مع تطور ​وسائل التواصل الاجتماعي​، التي ساهمت في ادخال العالم الواسع الى حياة الانسان الفرد، الذي شعر بفقره وعوزه وعدم شبعه الى كل ما يوجد خارجا. لذلك يعيش الانسان في جوع دائم الى كل شيء في كل مراحل حياته. لكن وعد الله للناس أنهم: "لا يَجوعونَ ولا يَعطَشونَ، ولا يَضرِبُهُمْ حَرٌّ ولا شَمسٌ، لأنَّ الذي يَرحَمُهُمْ يَهديهِمْ وإلَى يَنابيعِ المياهِ يورِدُهُم. لأنَّهُ هكذا قالَ الربُّ: "هَأنَذا أُديرُ علَيها سلامًا كنهرٍ، ومَجدَ الأُمَمِ كسَيلٍ جارِفٍ، فترضَعونَ، وعلَى الأيدي تُحمَلونَ وعلَى الرُّكبَتَينِ تُدَلَّلونَ"(أشعيا 49 / 10 و 66 / 12).

الراحة الدائمة هي المكافأة المنتظرة

كل واحد منا ينتظر مكافأته، "فالجُندِيُّ لا يَشغَلُ نَفسَهُ بأُمورِ الدُّنيا إذا أرادَ أنْ يُرضِيَ قائِدَهُ. والمُصارِعُ لا يَفوزُ بإِكليلِ النَّصرِ إلاَّ إذا صارَعَ حسَبَ الأُصولِ. والزّارعُ الذي يَتعَبُ يَجبُ أنْ يكونَ أوَّلَ مَنْ يَنالُ حِصَّتَهُ مِنَ الغَلَّةِ"(2تيموتاوس / 4 – 6). من تحمل غيره في كل الظروف، من واجه الصعوبات بابتسامة، من تحمل صليب الالم والوجع والقهر والاضطهاد، من عامل غيره بلطف، من أحب حتى البذل. كل ذلك لا يضيع بل هو رصيد محفوظ عند الرب، الذي، لا ينسى إنْ قدّمنا لاحد العطاش كأس ماء بارد، فكيف اذا أحببنا دون حساب، دون انتظار مقابل، دون تحليلات أو تبريرات أو مآخذ على هذا أو ذاك من البشر.

فاذا كان الذين عصوا الرب: "دودَهُمْ لا يَموتُ ونارَهُمْ لا تُطفأُ، ويكونونَ رَذالَةً لكُلِّ ذي جَسَدٍ" (اشعيا 66 / 24)"، ومصيرهم القبور المغلقة بغلاظة قلوبهم، فهو يعد أحباءه بالمكافأة العظمى قائلا، "ستَرَونَ وتفرَحُ قُلوبُكُمْ، وتزهو عِظامُكُمْ كالعُشبِ، وتُعرَفُ يَدُ الربِّ عِندَ عَبيدِهِ"(اشعيا 66 / 14).

"كـُن يا رب، غافرًا للموتى المؤمنين الذينَ خُلـِّصوا بِموتِ ابنِكَ الوَحيد. فإذا خَلـُصنا مِنَ الموت، ونَجونا مِنَ الجَحيم، ونَهَضنا مِنَ مطامير التـُراب، عظـُمَت علينا وَعلى أمواتِنا نِعمة ابنِكَ الوَحيد الذي نرجو بواسِطـَتِه نَوالَ المَراحمِ وغُفرانَ خَطايانا وخطاياهُم."(صلاة من القداس الماروني).