من بين الدوائر الإنتخابية التي كان "التيّار الوطني الحُرّ" يسيطر عليها سيطرة شبه مُطلقة بالقانون الأكثري، ويُنتظر أن يتعرّض فيها في الإنتخابات المُقبلة لخروقات كبيرة، بسبب القانون النسبي، دائرة المتن التي تضم أربعة مقاعد مارونيّة، ومقعدين للروم الأرثوذكس، إضافة إلى مقعد واحد لكل من الكاثوليك والأرمن الأرثوذكس. فمن هي القوى الأساسيّة المُتنافسة هناك، وما هي التحالفات والتموضعات المُرتقبة؟.

بالنسبة إلى أهمّ اللاعبين في المتن، لا شكّ أنّ "التيّار الوطني الحُرّ" لا يزال في الطليعة، وهو يُريد الحفاظ على التفوّق الذي فرضه في هذه الدائرة عبر شعبيّته وتحالفاته، خلال دورتي العام 2005 والعام 2009(1)، مع التذكير بأنّ النائب إبراهيم كنعان كان تصدّر في إنتخابات العام 2009 كل الفائزين في لائحة "الوطني الحُرّ" بجمعه 49558 صوتًا. وإضافة إلى النائب كنعان المتقدّم في الإستفتاءات الشعبيّة حتى تاريخه، يُتوقّع أن تضمّ لائحة "الوطني الحُرّ" ​إدي معلوف​، إبن شقيق النائب إدكار معلوف، كمرشّح عن المقعد الكاثوليكي، والوزير السابق إلياس أبو صعب عن مقعد الروم الأرثوذكس، والنائب ​نبيل نقولا​، في ظلّ عدم حسم مصير باقي المقاعد حتى الساعة. ويتجه "التيّار" إلى التحالف مع "​الحزب القومي​ السوري الإجتماعي" ومع حزب "​الطاشناق​" في تكرار لتحالف العام 2009.

من جانبه، يريد النائب ميشال المرّ الحفاظ على الإرث الذي سمح له في فترة من الفترات بتشكيل لائحة كاملة في المتن وبالسيطرة على العدد الأكبر من البلديّات، وهو يميل إلى الدُخول في لائحة إئتلافيّة مع أكثر من شخصيّة متنيّة، في حال أصرّ "التيّار" على أن حجمه الشعبي لا يتجاوز المقعد الواحد. ومن بين الشخصيّات التي ستكون على الأرجح إلى جانب لائحة "المُرّ، رجل الأعمال ​سركيس سركيس​ الذي يُحاول أكثر من حزب إستمالته أيضًا. كما أنّ إحتمال التلاقي إنتخابيًا بين النائب المرّ وحزب "الكتائب" قائم بقوّة.

حزب "الطاشناق" يُريد فرض نُفوذه ودفع الجميع إلى ألاّ يستخفّوا بقُدرته التجييريّة في صُفوف الناخبين الأرمن، وهو سيُرشّح مُجدّدًا أمينه العام الحالي النائب ​هاغوب بقرادونيان​. لكنّ "الطاشناق" سيكون الأكثر حرجًا في الإنتخابات المُقبلة، في حال تواجه كل من "التيّار" و"المُرّ" على لوائح مُتقابلة، لأنّه لا مجال لتوزيع الأصوات هذه المرّة في ظلّ القانون الجديد الذي يستوجب الإنحياز إلى هذه اللائحة أو تلك، علمًا أنّ "الطاشناق" مرتبط بتحالف سياسي شامل مع "الوطني الحُرّ" وهو على علاقة ممتازة مع النائب المرّ في الوقت عينه.

حزب "الكتائب اللبنانيّة" يُريد العودة إلى زمن كانت فيه الكلمه له في هذه الدائرة وليس الإحتفاظ بمقعد النائب ​سامي الجميل​ فحسب، علمًا أنّ النائب الجميل الذي صار اليوم رئيسًا للحزب كان نال ما مجموعه 47698 صوتًا في إنتخابات العام 2009. ويتجه "الكتائب" إلى ترشيح–وإضافة إلى رئيسه، كل من "قائد القوّات اللبنانيّة" السابق الدكتور ​فؤاد أبو ناضر​ عن أحد المقاعد المارونية، وميشال حداد أو ​سلمان سماحة​ عن المقعد الكاثوليكي، مع إحتمال ترشيح الوزير السابق ​آلان حكيم​ أيضًا.

حزب "القوّات اللبنانيّة" يُريد من جهته أن يؤمّن مقعدًا ثابتًا له ضُمن هذه الفُسيفساء من القوى المُختلفة، عبر مرشّحه الحزبي ​إدي أبي اللمع​ الذي كان فشل في الوُصول إلى الندوة البرلمانية على الرغم من أنّه نال في إنتخابات العام 2009 ما مجموعه 44437 صوتًا، وكذلك عبر نسج تحالفات مع أكثر من جهة وشخصيّة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر المرشح عن المقعد الماروني رازي وديع الحاج. ويُواصل حزب "القوّات" مفاوضاته مع أكثر من شخصيّة فاعلة في المنطقة.

"الحزب القومي السوري الإجتماعي" يرغب بدوره بأن تكون كلمته مُحترمة ومقعده محفوظًا في المتن، علمًا أنّ من المُرجّح بحسب المعلومات المُتوفّرة إستبدال النائب السابق غسّان الأشقر، الذي قرر العزوف عن الترشح، بمرشح آخر، يرجح أن يكون الوزير السابق ​فادي عبود​، رغم وجود مروحة واسعة من المرشحين، حيث من المتوقع أن تحسم قيادة الحزب الأمر خلال الأيام المقبلة. كما أنّ السفير اللبناني السابق في واشنطن ​عبد الله بو حبيب​ يتجه لخوض الإنتخابات في المتن ضمن لائحة إئتلافيّة، قد تجمعه بالنائب غسّان مخيبر الذي لن يتم ترشيحه مرّة أخرى من قبل "التيّار"–على الأرجح، ومع رافي ماديان عن المقعد الأرمني، وشخصيّات أخرى متنيّة، قد يكون من بينها المرشّح الكاثوليكي ميشال مكتّف، في حال لم يجد هذا الأخير له مقعدًا على لائحة "القوّات"، وفي حال بقي رافضًا للعرض الذي منحه إيّاه حزب "الكتائب".

وبحسب المعلومات المُتوفّرة، من المُتوقّع أنّ يكون الحاصل الإنتخابي في دائرة المتن الإنتخابيّة بحدود نحو 13000 صوت تقريبًا، ما سيسمح لأكثر من جهة بالتمثّل، وبالحُصول على جزء من قالب حلوى البرلمان–إذا جاز التعبير، مع الإشارة إلى أنّ العديد من الشخصيّات السياسيّة ومن رجال الأعمال في المتن تأمل أن يُنصفها القانون النسبي هذه المرّة، بعد أن خذلها القانون الأكثري في السابق.

في الخُلاصة، ومع إحتساب إرتفاع عدد الناخبين الإجمالي في المتن، ومُقارنتها بالنسب التي كان نالها كل فريق سياسي في إنتخابات العام 2009، وقسمتها على "الحاصل الإنتخابي"، يُمكن توقّع فوز "التيّار" بأربعة مقاعد، فيما لو بقيت الإصطفافات الإنتخابيّة كما كانت عليه في إنتخابات العام 2009، ولوّ مع بعض التغييرات الصغيرة. وفي سياق التحليل عينه، من المُتوقّع أن تتوزّع المقاعد الأربعة الباقية على اللوائح الثلاث الأخرى الأساسيّة، بمقعدين لإحداها عن طريق كسر الأصوات، وبمقعد واحد لكل من اللائحتين الباقيتين. لكن من شأن تغيّر الإصطفافات الإنتخابيّة بشكل كبير أن يخلط الأوراق بقوّة. وبحسب المعلومات المتوفّرة، إنّ الأوراق الإنتخابيّة لا تزال حتى هذه اللحظة عرضة للتبديل، في ظلّ إستمرار المفاوضات على أكثر من خط، لكن مع بدء إرتسام الخطوط العريضة لبعض اللوائح.

(1) في إنتخابات العام 2009، نجحت لائحة "التيّار"، مع تسجيل خرق للنائب سامي الجميّل وآخر للنائب ميشال المر، حيث تمكّن النائب الجميل من نيل ما نسبته 55,1 % من أصوات الناخبين المسيحيّين في هذه الدائرة، من دون إحتساب أصوات الأرمن، في مُقابل نيل النائب إبراهيم كنعان ما نسبته 50,9 % من أصوات الناخبين المسيحيّين من كل المذاهب ومع إحتساب أصوات الأرمن الذين صبّوا بأغلبيّتهم الساحقة إلى جانب لائحة "التيّار".