إنّ النزاع مع ​إسرائيل​ حول ملكية البلوك ​النفط​ي التاسع وجزء من المنطقة الإقتصادية الخالصة لبحر ​لبنان​ الجنوبي يأخذ الطريق المسدود الحلّ. بعدَ رفض لبنان للطرح الأميركي القاضي بالتنازل الجزئي لمصلحة اسرائيل عن هذه الثروة، صرّحَ رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ​ميشال عون​ عن امكانية اللجوء الى التحكيم الدولي لحلّ النزاع.

بالأمس، و عقب زيارة الموفد السعودي الذي يرأسه مستشار الديوان الملكي لشؤون الشرق الأوسط ​نزار العلولا​ رئيس ​حزب القوات اللبنانية​ ​سمير جعجع​، أعلن هذا الأخير أنّه تداول مع الوفد قضية حدود لبنان البحرية؛ وردّا على سؤال، أجاب أنه يتبنى طرح رئيس الجمهورية اللبنانية القاضي باللجوء الى التحكيم الدولي.

إنّه لمن المستغرب إثارة شأن داخلي حدودي لبناني مع المملكة العربية ​السعودية​ التي لا دور لها في هذه القضية حتّى الساعة، سيّما أنها لم تُعلن وحتى كتابة هذه السطور عن اعترافها بحقّ لبنان بالبلوك التاسع النفطي كاملاً ضدّ اسرائيل. هذا من جهة، من جهة أخرى سؤال محوري يُسأل:

هل طرحت السعودية لعب دور الوساطة في الحلّ فتكون قد أعلنت جهاراً عن فتح علاقات دبلوماسية مع اسرائيل من باب الدفاع عن حقوق لبنان؟! إنّ ما سبقَ وارد خاصة أن الإدارة الأميركية أيقنت معضلة الحلول التشاورية في الشرق الأوسط كما أنّها تأكدت من العزيمة اللبنانية بالإصرار على التمسّك بكل شبر من لبنان البري والبحري والجوي، فسحبت توسّطها المباشر لتوكله الى حليفتها العربية.

إنّ ما سبق إن صحّ، يعني أننا سندخل حقبة السبات العربي والسباق اللبناني بين مختلف القوى حول الأقوى في انقاذ الثروة. فندخل كالدوامة الفلسطينية عقوداً زمنية بانتظار الفرج، فيأتي وللأسف رئيس أميركي ويعلن ملكية البلوك التاسع لاسرائيل. فأبشِر يا لبنان!.

أمّا التداول عن قصد أو غير قصد بالتحكيم الدولي فهذا طرحٌ مميت لأسباب عدّة نذكر منها الآتي باختصار:

أوّلاً: وُلد ميتاً ، فهو مردودٌ لعدم قانونيته ولعدم توافر الشرطين الأساسيين لقبوله أهمّها:

1- إنّ اللجوء الى محكمة العدل الدولية يفرض التقيّد بميثاقها. أهم شروطه أن يكون المتقاضيان طرفين موقعين على نظامها الأساسي. و هذه ليست حال لبنان ولا اسرائيل.

2- إنّ اللجوء الى التحكيم الدولي أمام أي هيئة تحكيمية دولية أخرى يفرض توافر "اتفاق تحكيم" خطي بين الطرفين المتنازعين أي الإعتراف بالآخر كدولة قائمة للتوقيع معها على هكذا اتفاقية. وهذه ليست حالنا مع العدوالاسرائيلي الذي يعتبره لبنان كياناً محتلاً وليس دولة.

إنّ أي وساطة نحو هذا الحلّ هي استدراج لبنان الى الاعتراف الضمني باسرائيل كدولة، وذلك تحت عنوان فضّ النزاع النفطي قضائيا وتحكيميا. علماً أنّ لا شيء يؤكّد أن اسرائيل ستلتزم بتنفيذ أي قرار تحكيمي حاسم للنزاع إن حصل، وذلك على غرار ما نتج عن الاتفاقات العربية-الاسرائيلية عبر التاريخ التي لم تُنتج سوى العداء للعرب. فيبقى النفط في البلوك التاسع مجمّداً، يُسرق سرّاً، أو تنتهي صلاحيته بعد استنفاد الحاجة له أمام نمو الطاقة البديلة واستغلال الوقت لاستثمار اسرائيل نفطها في تجاراتها الدولية واستحواذها على الاتفاقيات الثنائية الإقليمية.

ثانياً: قاتل لسيادتنا وثروتنا عبر فرض التحكيم الإجباري.

نعم، إنّ كثرة التداول اللبناني بمسألة التحكيم الدولي قد تفتح الباب لفرض التحكيم الإجباري عبر قرار من هيئة دولية محلية أو إقليمية، سياسية أو اقتصادية، يكون لبنان أو اسرائيل عضوا فيها وذلك إنفاذا لشروط عامة فرضها القانون الدولي في بعض المجالات، ومنها التجارة النفطية التي تشهد تطورا في مجال الاتفاقيات الدولية والمجالس والهيئات النفطية الدولية التي تمّ تأسيسها والتي يتمّ العمل على إنشائها.

على سبيل المثال، إنّ مجلس المعونة الإقتصادية المتبادلة في العام 1968 فرض شروطا تحكم التبادل التجاري بين منظمات التجارة الخارجية في بلدان الكوميكون تحت طائلة فرض التحكيم الإجباري. وقد نُفّذت. الحديث عن مجالس نفطية دولية جديدة على قدم و ساق عربيا ودوليا.

فلا يجب أن ينسى أحد أن اسرائيل أعلنت ادعائها بملكية البلوك التاسع وعليه، إنّ ادعاء الملكية هو العنصر الأوّل من عناصر التجارة النفطيّة الذي قد ينتج عنه مسائل قانونية دولية.

في ظلّ استبعاد شنّ اسرائيل الحرب العسكرية على لبنان في المرحلة الراهنة، سلاح القانون من الجانب اللبناني واجب، على لبنان أن يتسلّح جدّيا بدفاعاته القانونية في أكثر من اتّجاه دولي أوّلها برأينا التوقّف عن طرح التحكيم الدولي.