هذا العنوان المهم من زاوية دور الشباب في الإسهام في صنع القرار عبر ممارسة الديمقراطية بواسطة صناديق الاقتراع بما يضمن وصول ممثلين لهم يعبرون عن تطلعاتهم في التحرر والتغيير الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، يشكل مدار بحث ونقاش في المؤتمرات والمنتديات الثقافية، ويستمد أهميته من كون القسم الأكبر من الشباب لاسيما في وسط الخريجين يعانون مشكلة البطالة المتفاقمة لغياب فرص العمل والطلب المتزايد عليها، فمثلاً في المباراة التي يجريها فرع ​أمن الدولة​ في ​لبنان​ لقبول توظيف 400 شخص تقدم على طلب هذه الوظيفة ما يقارب الـ 18 ألف شخص بينهم مهندسون وحملة شهادات عليا.

وطبعاً مواطنون لا يملكون شهادات جامعية، ويظهر ذلك نسبة الخريجين والشباب العاطلين عن العمل والذين يبحثون عن فرصة عمل حتى ولو كانت لا تتلاءم مع مستوى حملة الشهادات العليا. هذا في لبنان الذي يشهد نوعاً من الاستقرار الأمني والسياسي، فكيف والحال في بلدان تشهد حروباً وغياباً للاستقرار منذ حدوث ما سُمي ب​الربيع العربي​، مثل ​العراق​ و​سوريا​ و​اليمن​، ​ليبيا​ ومصر وتونس، وطبعاً ​فلسطين المحتلة​، حيث نسب البطالة مرتفعة وملايين المواطنين باتوا مهجرين من بيوتهم داخل بلادهم أو خارجها.

وفي مثل هذا الوضع يطرح السؤال الملح: كيف يمكن للشباب أن يمارسوا الديمقراطية وهم في مثل هذه الظروف، وهل يمكن أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة وفي ظل سيطرة الرأسمالية النيولبرالية في معظم الدول التي تهمش فيها القطاعات الإنتاجية، في حين تعاني دول أخرى الحروب والاحتلال والاستعمار والدمار الذي حصل ويحصل بفعلهم للاقتصاد والخدمات.

وهل يمكن أن يكون الشباب أحراراً في اختياراتهم في مثل هذه الظروف، أم أنهم سيكونون فريسة سهلة للحاجة الاقتصادية وفرصة العمل والمساعدة الاجتماعية خلال ​الانتخابات​، ثم هل يملكون الوعي الذي يمكنهم من معرفة من يعبر عن تطلعاتهم، في ظل عدم قدرتهم على الإحاطة بأسباب ما يحصل لهم وسط حالة التشويش التي يسببها الكم الهائل من وسائل الإعلام المسيطر عليها من قبل الرأسمالية الريعية التي تبث الأخبار والمعلومات والإشاعات خدمة لمصالحها وتؤثر على الرأي العام الذي لا يمكن أن يعرف أي منها هو الصحيح وأي منها الخطأ في ظل عدم القدرة على امتلاك المعرفة والثقافة، بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل معظم الشباب غير قادرين على تحصيل المعرفة وامتلاك الثقافة التي تخدم بلدهم ومصالحه؟

هذا الواقع يطرح بدوره سؤالاً مهماً وهو: ما السبيل لتحقيق الديمقراطية الحقيقية، وهل يمكن أن تكون هناك ديمقراطية في غياب التحرر الوطني والاقتصادي والاجتماعي؟

إن الديمقراطية كلمة محببة للناس بشكل عام، لكنها تبقى كلمة لا تلقى طريقها لتحقيق الغاية الحقيقية منها، وهي أن يحسن الشعب اختيار المرشح الأفضل الذي يحقق تطلعاته عندما يصل إلى البرلمان أو الحكم، إذا لم تقترن بتوفر الحرية الفعلية التي تجعل الناس قادرين على التصويت في صناديق الاقتراع من دون أن يكونوا عرضة لأي ضغوط اقتصادية أو اجتماعية أو خارجية كأن يكون هناك احتلال أو استعمار لبلدهم يمارس القهر والاضطهاد ويحول دون قدرتهم على ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم.

وإذا ما نظرنا ودققنا في واقع ​الشباب العربي​ نجد أنهم يفتقدون للحرية في ممارسة حقهم الديمقراطي على كل المستويات:

على المستوى الاقتصادي، فإن معظم الشباب يبحثون عن فرصة عمل في ظل ارتفاع نسب البطالة في صفوفهم، نحو 16 بالمائة في تونس وسط الخريجين، فيما هي تتجاوز ذلك في مصر واليمن وليبيا.

على المستوى الاجتماعي، فإن التفاوت بين الأغنياء والفقراء في تزايد مستمر، وطبقة الفقراء والبؤساء باتت هي السواد الأكبر من الشعب، مثلاً في لبنان، بحسب الدراسات الذي أعدها موقع «INN LEBANON» فهنالك 350 ألف مواطن يعيشون بأقل من ​دولار​ في اليوم، وهذا ما يجعل هؤلاء غير قادرين أن يؤمنوا لأنفسهم ولأسرهم أقل الحاجيات وأبسط الحقوق والتي من المفروض أن تكون مجانية، منها التعليم، والطبابة.

هذه الدراسة عام 2016، ومن المؤكد إذا أجريت دراسة جديدة اليوم ستظهر واقعاً اجتماعياً أكثر سوءاً.

أما الواقع الاجتماعي في ​الدول العربية​ التي تعاني الحروب وانعدام الاستقرار الأمني فإنه ليس أفضل حالاً.

وعلى صعيد الاستقلال والتحرر الوطني فإن معظم الدول العربية فاقدة لاستقلالها السياسي والاقتصادي، وبعضها يخضع للاحتلال.

هذه الظروف تجعل من المستحيل أن تكون هناك حرية في ممارسة الديمقراطية، ومن ثم من الطبيعي القول إن الديمقراطية لا يمكن فصلها عن المضمون الوطني والاقتصادي والاجتماعي، أي الاستقلال الوطني سياسياً واقتصادياً، ومستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والواقع المعيشي. ولهذا نجد هناك اختلافاً واضحاً في مستوى ممارسة الديمقراطية من بلد لآخر.

من هنا يمكن القول إن أولويات تحقيق التحرر الوطني والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، هي شرط ضروري لتحقيق الديمقراطية التي تمكن الشباب من أن يتمتعوا بحرية الاختيار بعيداً عن أي ضغوط.