لطالما رفع المسيحيون صوتهم ضد قانون 1960. كان بالنسبة إليهم «قانون المحادل والبوسطات» الذي لم يسمح بانتخاب أكثر من 30 نائباً أو 33 بأصوات المسيحيين. ولكن، في ظلّ القانون الحالي، هل سيتأكّد أنّ «الحقّ» على قانون الـ60 فقط؟ أم إنّ العلّة أوّلاً هي في قادة المسيحيين أنفسهم؟

عندما تمّ التوافق في الدوحة عام 2008، على العودة إلى قانون 1960، اعتبر المسيحيون أنهم حققوا انتصاراً نسبياً. فهم كانوا خارجين من انتخابات 2005 التي تمّت بـ»قانون غازي كنعان»، والذي تمّ تدشينه في انتخابات 2000.

اعتبر المسيحيون، مع خروج السوريين من ​لبنان​، أنّ قانون 1960 يشكّل أفضل الممكن، وهو محطة مرحلية في الطريق إلى قانون أفضل يقوم إما على النسبية، وإما ​الدائرة الفردية​. ولم يكن هناك اختلاف مهمّ بين القوى المسيحية في النظر إلى ​قانون الانتخاب​، كما إلى معظم المسائل المتعلقة باستعادة الحضور المسيحي في الحكم.

أساساً، كان رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ و»حزب الله» سبّاقَين إلى إعلان الرغبة في تغيير القانون أيضاً، نحو نسبية كاملة. وأطلق بري وعداً بأن تكون انتخابات 2009 هي انتخابات الوداع لقانون الـ60 الأكثري.

استغرقت ورشة البحث عن قانون 9 سنوات والتمديد 3 مرات للمجلس. وخلال معظمها، كان الملف نائماً في الأدراج. وفي ربع الساعة الأخير، قبل انتهاء المهلة الممدّدة للمجلس، في أيار 2017، تمّ إمرار القانون الحالي «مسلوقاً»، لئلّا يقع الفراغ. ورضخ الجميع لأولويّة إنجاز قانون من دون درس متأنٍّ.

كان رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور ​سمير جعجع​ في «شهر عسل» المصالحة.

وراهن المسيحيون على أنّ هذه المصالحة ستحقِّق لهم المعجزات، أي أنها ستعيد التوازن الذي اختلّ بسبب قوانين الانتخاب الظالمة في العهد السوري، وبسبب «اتفاق الطائف» وعدم تطبيق بعض بنوده وسوء تطبيق أخرى.

في مجلس نواب 2009، ليس هناك أكثر من 30 نائباً مسيحياً أو 35 كحدٍّ أقصى، بأصوات مسيحيين، أي نحو 50 % من عدد النواب المسيحيين. وعندما إبتُكِرَ «قانون اللقاء الأورثوذكسي»، الذي يؤدّي إلى انتخاب كل طائفة لنوابها، تمّ إسقاطُه. وتبيَّن أنه طُرِح أساساً من باب المناورة السياسية.

ما أن ولِد القانون الحالي، النسبي - التفضيلي، حتى كاد الوزير ​جبران باسيل​ يتنصّل منه. فقد تخوَّف من أفخاخ كامنة فيه، وسارع في اللحظة الأولى إلى القول بضرورة إجراء تعديلات «جذرية» و»سطحية» عليه قبل وضعه موضعَ التنفيذ في 6 أيار 2018. لكنّ بري أقفل بابَ التعديلات جذرياً. وربما يكون الخلاف بين الرابية وعين التينة حول القانون هو أساس الأحقاد المتفجّرة بين الطرفين.

القانون الحالي يمكن وصفُه بأنه «قانون المخدوعين». فباسيل كان يعتقد أنّ المكاسب التي سيحققها له أيُّ قانون بديل للـ60 ستزيد من كتلته النيابية وتمنح العهد قوة داخل السلطة التشريعية. وكذلك، اعتقد جعجع أنّ «القوات» ستتمكّن من خرق دوائر لم تكن متاحة لها في «قانون المحادل».

التقديراتُ الأولية كانت تستخلص أنّ القانون الحالي قادر على إيصال نحو 56 نائباً بأصوات الناخبين المسيحيين، من أصل 64. وتعتبر القوى المسيحية أنّ هذا التحسُّن في التمثيل مقبول، وأنّ القانون مفتوح على التحسين أكثر في الجولات الانتخابية المقبلة.

نظرياً، ووفق الأرقام، يمكن للقوى المسيحية أن تحقّق النتائج الآتية في الدوائر الـ15، إذا ما توحّدت اتجاهاتُها الانتخابية على غرار «الثنائي الشيعي»:

دائرة ​الأشرفية​ (7)، ​بيروت​ الثانية (2)، المتن (7)، كسروان- جبيل (7)، ​الشوف​ و​عاليه​ (6)، ​بعبدا​ (4)، البترون- الكورة- زغرتا- بشري (9)، طرابلس- المنية- الضنية (1)، عكار (2)، ​بعلبك الهرمل​ (2)، زحلة (4)، ​البقاع​ الغربي- ​راشيا​ (1)، صيدا- جزين (2)، صور- ​الزهراني​ (1)، مرجعيون- حاصبيا- النبطية- ​بنت جبيل​ (1)

ولكن، واقعياً، يقول بعض خبراءُ الانتخابات، لا توحي الوقائع والأرقام بأنّ القوى المسيحية سيُتاح لها تحصيل هذا العدد من النواب. وفي حقيقة الأمر، أدرك الجميع أنّ القانون الذي انتظر المسيحيون إنجازَه طوال سنوات، واستبشروا به بعد وصول عون إلى رئاسة الجمهورية، لن يقدّمَ الخدمة المطلوبة لتحسّن التمثيل المسيحي بالمقدار المطلوب.

وينتاب القوى المسيحية خوفٌ من أن ينتهي الأمر بنتيجة مخيِّبة، ما يستدعي طرح السؤال: هل كان مناسباً خوض هذه المعركة الشعواء من أجل تحسين التمثيل المسيحي في المجلس، فيما القوى الرافعة شعارَ الحقوق المسيحية ليست مستعدة لأيّ تضحية في هذا السبيل؟

قد يكتشف المسيحيون أنّ سببَ ضعف تمثيلهم في المجلس لا يعود فقط إلى القانون، بل أيضاً إلى النزاعات السياسية المسيحية، تماماً كما اكتشفوا أنّ سبب تراجع حضورهم في السلطة لا يعود فقط إلى الوصاية السورية، بل أيضاً إلى النزاع الطائفي الداخلي على السلطة.

والمراجعة الواقعية لما يمكن أن يحققَه المسيحيون في كل من الدوائر الـ15 توحي بأنّ عدد النواب الذين سيصلون إلى المجلس بأصوات مسيحية أقل من العدد المأمول به. والتحالفات التي تُطبَخ هي التي ستحدّد النِسَب النهائية، ما سيعيد طرحَ التساؤلات:

كيف سيبرّر «التيار» هبوطَ حجم كتلته في المجلس النيابي، بعدما كانت الأكبر مسيحياً، وكيف يتقبَّل في هذه الحال مقولة أنّ القانون الحالي أفضل تمثيلاً للمسيحيين من قانون الـ60؟ وهل تطمئنُّ القوى المسيحية الأخرى، الحزبية والسياسية والمناطقية، إلى أوضاعها، في ظلّ الحرب الضروس التي يخوضها المسيحيون مجدّداً، بعضُهم في مواجهة بعض؟

قد يستنتج المسيحيون أنّ السبب الأساسي لتراجع حضورهم في السلطة التشريعية، وتالياً التنفيذية، هو ركوب زعمائهم قطار المصالح المتعاكسة. وما يقال عن المسيحيين ينطبق أيضاً على السنّة بمقدارٍ أدنى، وكذلك على الدروز، لولا شبكة الحماية التي تمكّن النائب ​وليد جنبلاط​ من تركيبها لزعامته.

فحتى قانون الـ60 لم يكن سيّئاً إلى هذا الحدّ، لو اتّبع المسيحيون نموذج التضامن الانتخابي الذي يعتمده «الثنائي الشيعي»، أي على طريقة «أنصر أخاك ظالماً كان أو مظلوماً»، وهي طريقة لا تلقى الاستحسان إجمالاً، لكنها واقعية وناجعة في نظام الطوائف المتنازعة.

وبناءً عليه، سيكون المجلس المقبل قائماً على: سيطرة شيعية، تماسك درزي، وتشرذم سنّي ومسيحي.