جاء إحياء يوم الأرض على أرض ​فلسطين المحتلة​ هذا العام معمدا بالدم الفلسطيني الذي روى تراب فلسطين ليؤكد من جديد تمسك الشعب العربي في فلسطين بعروبة الأرض الفلسطينية والاستعداد لتقديم المزيد من الشهداء قرابين في سبيل حمايتها من التهويد ومحاولات تصفية الحقوق العربية التاريخية المشروعة في فلسطين من النهر إلى البحر.

ويمكن القول إن الحصيلة من الشهداء والجرحى، التي نتجت عن المواجهات مع قوات الاحتلال في يوم الأرض، كانت الأعلى التي شهدها أحياء هذا اليوم منذ عام 1976 تاريخ المواجهة الأولى في الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1948 والتي سقط فيها ستة شهداء. فقد تجاوز عدد الشهداء في 30 مارس الفائت الـ 16 شهيدا والجرحى الـ 1000 جريح، وهي أرقام كشفت مستوى ​الإرهاب​ والقمع الصهيوني الذي عكس مدى خوف الصهاينة من حجم التظاهرات الشعبية والجرأة التي ميزت المواطنين العرب المشاركين فيها من كل الأعمار إن كان على حدود ​قطاع غزة​ مع جنود الاحتلال أو في ​الضفة الغربية​ و​القدس​ والجليل، وهي جرأة عكست روح النضال والكفاح الشعبي من ناحية، ومستوى الهجومية الشعبية في مواجهة المحتل من ناحية ثانية.

على أن ذلك أثبت مجددا انتصار إرادة الشعب العربي في فلسطين على إرادة قوات الاحتلال الصهيوني. فقد كان لافتا أن أبناء فلسطين ساروا في تظاهراتهم نحو نقاط تجمع جنود الاحتلال، رغم التهديدات التي أطلقها المسؤولون الصهاينة لإرهابهم ومنعهم من المشاركة بكثافة في هذا اليوم، الأمر الذي دفع جنود العدو إلى ​إطلاق النار​ على المتظاهرين بكثافة في مشهد أظهر من جهة مدى خوفهم ورعبهم من مواطنين عزل من السلاح لكنهم يملكون إرادة التصميم على النضال للعودة إلى أرضهم وقراهم التي هجروا منها أو لحماية عروبة هذه الأرض وتحريرها من رجس الاحتلال، ومن جهة ثانية كشف وحشية وإرهاب جيش الاحتلال على مرأى من الرأي العام العالمي مما أثار ردود فعل دولية مستنكرا وداعية إلى التحقيق في هذه الجريمة الموصوفة ضد حقوق الإنسان الفلسطيني.

كما أثبتت التظاهرات الشعبية أن شعب فلسطين يتقدم على قياداته ويشكل قدوة لهم في النضال، ففي مقابل تخاذل قيادة السلطة الفلسطينية يبرهن ​الشعب الفلسطيني​ على رفض هذا التخاذل وعدم استعداده لأي تفريط بحقوقه غير القابلة للتصرف، وفي مقابل غياب البدائل الثورية والمشاريع القادرة على بلورة قيادة تحررية جديدة تقود النضال ضد الاحتلال، يبرهن الشعب الفلسطيني على دوره المتقدم على ​الفصائل الفلسطينية​، بل يؤكد إنه هو الشعب القائد الذي يحيي القضية ويسقط مخططات التصفية ويبقي على شعلة الانتفاضة والمقاومة متقدة كلما اعتقد البعض ممن تقاعسوا أو استسلموا للعيش في ظل امتيازات سلطة تحت الاحتلال، أو فقدوا الإيمان بقدرة المقاومة المستندة إلى دعم واحتضان الشعب لها على تحقيق النصر على المحتل وتحرير الأرض على غرار الثورات والمقاومات الشعبية المسلحة التي حررت أرضها من المحتل والمستعمر إن كان في ​الجزائر​ و​فيتنام​ أو في ​لبنان​ على سبيل المثال لا الحصر.

ولأن الشعب العربي في فلسطين يملك هذه العزيمة والاستعداد لمواصلة النضال والمقاومة، فإن الاحتلال يزداد قلقا وخوفا من المستقبل ويشعر بأن مخططاته ومشاريعه عرضة للانهيار في أي لحظة، وأن مشروعه لن يستقر طالما أن هناك شعبا لا يهاب القمع والاعتقال ولا الموت، وهي الوسائل الوحيدة التي يملكها الاحتلال لإرهاب الناس ومحاولة إخضاعهم. ولهذا فإن رئيس أركان جيش الاحتلال أيزينكوت عبر في مقابلة له مع صحيفة ​هآرتس​ الصهيونية قبل أيام من تظاهرات يوم الأرض عن أن «قلقه الرئيسي نابع مما يحصل في الأراضي الفلسطينية» موضحا أن ​إسرائيل​ ستواجه «تحديات كبيرة بالتزامن مع احتفالات الـ 70 (للنكبة الفلسطينية)؛ وأكثر ما بات يقلق أيزينكوت وغيره من المسؤولين الصهاينة هو مرحلة ما بعد ​محمود عباس​ والأزمة الاجتماعية في قطاع غزة وعدم القدرة على إيجاد بديل ل عباس قادر على الإمساك بالوضع وضبط ​حركة فتح​ والشارع الفلسطيني واستطرادا عدم القدرة على الالتزام بمواصلة ​سياسة​ التنسيق الأمني لحماية أمن الاحتلال.

ويظهر كل ذلك أن الاحتلال مهما طال لا يمكن أن يستقر طالما أن هناك شعبا يرفض الاستسلام والتخلي عن حقوقه ومواصلة الكفاح بكل أشكاله لأجل الدفاع عنها، وأن محاولات إدخال اليأس والإحباط إلى نفوس الناس لدفع الشعب الفلسطيني إلى الخنوع والاستسلام قد فشلت على مر العقود السبعة الماضية من عمر النكبة الفلسطينية، فيما تكريس إحياء يوم الأرض إنما يشكل برهانا ساطعاً على هذا المسار الذي يسلكه الشعب الفلسطيني.

ويبدو من الواضح أنه كلما ازدادت شراسة المخططات الأميركية الصهيونية لطمس وتصفية ​القضية الفلسطينية​ وتهويد أرض فلسطين والمقدسات تأججت المقاومة والانتفاضة وعادت القضية إلى الصدارة، ولهذا فمن المتوقع لا بل بات من المؤكد أن ذكرى النكبة في 15 مايو المقبل وعزم ترامب نقل ​السفارة الأميركية​ إلى القدس المحتلة في هذا التاريخ، سوف يشكلان مناسبة لاشتداد الصراع وتؤجج نار الانتفاضة والمقاومة غير المسيطر عليها والتي تجعل الاحتلال وأجهزته الأمنية في حالة من الارتباك والقلق المتزايدين من خروج الوضع عن السيطرة واتجاه الوضع الفلسطيني نحو مرحلة جديدة من النضال التحرري المتجذر بعد أن جربت كل خيارات الرهان على الحلول التسووية وفشلت فشلا ذريعا ولم يتبق سوى خيار ​المقاومة الشعبية​ والمسلحة الذي أثبتت نضالات الشعوب التي واجهت الاحتلال والاستعمار أنها هي السبيل الأقصر والأقل كلفة للتحرر من المحتل والمستعمر.