في 7 نيسان من العام 2017 قصف ​الجيش الأميركي​ بصواريخ "توماهوك" مواقع عسكريّة في ​سوريا​، أبرزها مطار الشُعيرات في مُحافظة حمص، ردًا على هُجوم شنّته وحدات عسكريّة سورية بالأسلحة الكيمائيّة في ​خان شيخون​ قبل أيّام من هذا التاريخ. واليوم، يبدو أنّ التاريخ يُكرّر نفسه، حيث إتجهت الأنظار إلى سوريا بعد إتهامات أميركية–غربيّة للنظام السُوري باستخدام أسلحة سامة في دوما، وبعد توعّد واشنطن والدول الحليفة بردّ عسكري قاس يبدو من خلال التحضيرات العسكريّة الميدانيّة أنّه سيسلك طريقه إلى التنفيذ في أي لحظة. لكنّ التوتّر الأمني والسياسي على المُستوى العالمي الذي أوجدته هذه التطوّرات في سوريا، يبقى أقل خُطورة من التوتّر الذي يتصاعد تدريجًا بين ​إسرائيل​ من جهة ودول "محور المُقاومة والمُمانعة" من جهة أخرى. وفي هذا السياق، يُمكن إيراد الأسباب التالية:

أوًلاً: إنّ الضربات الصاروخيّة الأميركيّة ضُد أهداف في سوريا مُحدّدة في الزمان والمكان، وهي عبارة عن ردّ فعل إعلامي–فولكلوري على تجاوز مُعيّن لمحظورات دَوليّة، أكثر منه كردّ عسكري مُؤذ للجيش السُوري أو قالب لمَوازين القُوى على الأرض، بينما الضربات الصاروخيّة الإسرائيليّة تندرج في سياق حرب مفتوحة بين إسرائيل وخُصومها آخذة بالتصاعد بشكل تدريجي لكن واضح المعالم، وُصولاً إلى يوم المُواجهة الشاملة الحتميّة.

ثانيًا: إنّ الضربات الصاروخيّة الأميركيّة معدودة جدًا، بينما وتيرة الضربات الصاروخيّة الإسرائيليّة آخذة بالتزايد بشكل مُضطرد، ما يعكس إزدياد منسوب التوتّر الإقليمي في الشرق الأوسط والمنطقة ككل. ففي العام 2013 نفّذت إسرائيل ثلاث ضربات في سوريا، وفي العام 2014 ضربتين، وفي العام 2015 أربع ضربات، وفي العام 2016 ضربتين، لتبلغ ذروة هذه الضربات في العام 2017 خمس ضربات صاروخيّة. ولا يبدو العام 2018 الحالي أكثر هُدوءًا، حيث إستهدفت إسرائيل في 10 شباط الماضي، وعلى دفعتين، مواقع سورية وأخرى ​إيران​يّة، وقد سقطت إحدى طائراتها بصاروخ دفاعي أرض–جوّ، ثم نفّذت في 9 نيسان الجاري ضربات صاروخيّة جديدة في العمق السُوري مُوقعة خسائر بشريّة إيرانيّة إلى جانب السوريّة.

ثالثًا: إنّ الضربات الصاروخيّة الإسرائيليّة ليست إنتقاميّة ومُحدّدة في المكان والزمان، بل هي تندرج ضُمن سباق عسكري خطير بين مساعي تحضير الأرضيّة العسكريّة المُؤاتية لشن حرب كبرى على إسرائيل من جهة، ومساعي عرقلة وتأخير وحتى تدمير هذه البنى والتحضيرات. وليس بسرّ أنّ التدخّل العسكري الإيراني المُباشر في سوريا على مدى سنوات، سمح لطهران بتأسيس بنى تحتيّة مُتكاملة في سوريا لقتال إسرائيل في المُستقبل، تشمل المطارات والقواعد العسكريّة ومنصّات إطلاق الصواريخ على إختلاف أنواعها، بمُوازاة تدريب وتسليح فصائل عسكريّة سوريّة شبه رسميّة لتكون جاهزة للقتال ضُدّ الجيش الإسرائيلي عندما تندلع المُواجهة الكبرى، ولمُؤازرة مُقاتلي "​حزب الله​" وباقي الفصائل العراقيّة والأفغانيّة وغيرها المُموّلة والمُسلّحة من إيران.

رابعًا: إنّ الضربات الصاروخيّة الإسرائيليّة الأخيرة التي إستهدفت مطار "تي فور" هدفت إلى تدمير البُنى التحتيّة الخاصة بقاعدة الطائرات من دون طيّار التي تعمل إيران على إتمامها، والهدف الإسرائيلي هو منع المحور المُناهض لها من تنفيذ غارات جويّة ضُدّها إنطلاقًا من الأراضي السُوريّة. فالطائرات الإيرانيّة من دون طيّار، تجاوزت مرحلة التصوير الجوّي والتجسّسي، وبلغت مرحلة تنفيذ الغارات العسكريّة بالتزامن مع التمتّع بالقُدرة على التحليق لمسافات بعيدة من دون توقّف. وبالتالي، إنّ عدم القيام بضربها إستباقيًا يعني زيادة مخاطر هذا النوع من الطائرات على الأمن الداخلي الإسرائيلي، حيث سُجّلت في المرحلة الماضية أكثر من مُحاولة لإختراق الأجواء الإسرائيليّة، في إطار الإستعدادات المُتواصلة على أكثر من محور للمُنازلة الكبرى–إذا جاز التعبير. حتى أنّ ضربها إستباقيًا لا يفيد سوى بتأخير المُواجهة الكبرى، من دون أن يُلغي أسسها وأسبابها ومخاطرها.

خامسًا: إنّ تل أبيب مُتوافقة مع موسكو على أنّه يحق لإسرائيل إتخاذ أي إجراءات دفاعيّة حفاظًا على أمنها، لكنّ ​روسيا​ ترفض أيّ تحرّكات إسرائيليّة هُجوميّة في سوريا، الأمر الذي جعل كل الغارات والضربات الإسرائيليّة الأخيرة تُنفّذ من خارج الأجواء السوريّة، تجنّبًا لتعرّض الطائرات الإسرائيلية المُغيرة لنيران الدفاعات الروسية. وليس بسرّ أنّ منظومة الدفاع الجوّي الروسي في سوريا حاولت إعتراض الصواريخ التي وجهها الطيران الإسرائيلي ضُدّ أهداف في مطار "تي فور" في الأيّام الماضية، وهو نجح في تدمير بعضها في الجوّ عند دُخولها إلى الأجواء السوريّة وقبل وُصولها إلى أهدافها، ما يعكس دقّة الموقف الأمني في سوريا على غير صعيد.

في الختام، لا شكّ أنّ العلاقة بين روسيا وإيران من جهة والولايات المتحدة الأميركيّة والكثير من الدول الغربيّة من جهة أخرى، ليست في أفضل أحوالها، وهي تُنذر بمزيد من التصعيد السياسي والإعلامي المباشر وحتى الأمني غير المباشر، لكنّ كل ما سبق يبقى أقلّ خُطورة من الهجمات الإسرائيليّة في سوريا والتي لا تزال من دون أيّ ردّ يُذكر حتى تاريخه، لسبب واحد أنّ الردّ سيأتي دُفعة واحدة وبشكل شامل، وذلك ما أن ترى إيران أنّ القوى التي تُسلّحها وتُدرّبها وتموّلها صارت جاهزة للحرب، وأنّ التوقيت بات مناسبًا لفتح معركة كُبرى مع إسرائيل.