في مقال سابق بعنوان "الصواريخ ال​إسرائيل​يّة على ​سوريا​ أخطر من الصواريخ الأميركيّة" تحدّثنا عن أنّ أي ضربة أميركية لسوريا ستكون محدودة في الزمان والمكان والنتائج، وانّ الخطر يكمن في مكان آخر وتحديدًا في الضربات الإسرائيليّة المفتوحة في سوريا، وفي البنى التحتيّة العسكريّة التي تُقيمها ​إيران​ والقوى الحليفة هناك، باعتبار أنّ كلاً من إسرائيل من جهة، والقوى المُندرجة ضُمن "محور المُقاومة والممانعة" من جهة أخرى، تُحاول فرض توازنات ميدانية تصبّ في صالحها، ووضع المزيد من الخُطوط الحمراء الممنوع تجاوزها. لكنّ هذا المنحى في التعامل هو عبارة عن رقص على حافة الهاوية، حيث أنّ التفلّت المُتسارع على مُستوى شروط اللعبة في سوريا، والذي تُرجم بتصاعد وتيرة الهجمات والإعتداءات الإسرائيلية على أهداف سورية، في مُقابل تصاعد التحضيرات العسكرية في الجهة المُقابلة لتنفيذ ردّات فعل مُوجعة، فتح الباب على مصراعيه أمام إحتمال إنفلات الأمور نحو معركة واسعة إسرائيلية-إيرانيّة (عبر المحور الذي تقوده)، إنطلاقًا من الأراضي السورية. فهل يقع المحظور، ومتى؟.

لا شكّ أنّ إسرائيل لا تُهاجم أهدافًا عسكرية من باب التسلية، وما يصفه القادة العسكريّون في إسرائيل بالضربات الإستباقيّة، هو في الواقع عبارة عن هروب إلى الأمام، حيث تُحاول إسرائيل-كلّما سنحت لها الفرصة، ضرب البُنى التحتيّة التي يتمّ تأسيسها بوتيرة ثابتة في سوريا، كونها واثقة من أنّ هذه البنى التي تقوم إيران بالتعاون مع النظام السوري ومع الميليشيات والقوى العسكريّة التي تأتمر بها بإقامتها، سيكون لها تأثير كبير في أي مُواجهة عسكرية كُبرى في المُستقبل بين إسرائيل من جهة ومحور "المقاومة والممانعة" من جهة أخرى. وليس بسرّ أنّ الضربات الصاروخيّة الإسرائيليّة التي إستهدفت مطار "تي فور" قبل نحو أسبوع شكّلت علامة فارقة في المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية على الأراضي السورية، كونها إستهدفت لأوّل مرّة مراكز عسكريّة إيرانيّة مُوقعة إصابات مُباشرة في صُفوف وحدات ​الحرس الثوري الإيراني​، بينما الغارات والضربات التي نفّذتها إسرائيل في السنوات القليلة الماضية كانت تستهدف مواقع ومراكز وشحنات أسلحة سورية أو تابعة لإحدى الفصائل المُقاتلة التي تأتمر بإيران. وقد دمّرت الغارة الإسرائيليّة المذكورة قاعدة للطائرات من دون طيّار والتي تعتبرها إسرائيل أحد أبرز الأخطار المُتصاعدة عليها، كونها تسمح بتنفيذ ضربات أمنيّة ضد أهداف إسرائيليّة من دون تكبّد أي خسائر بشريّة. وبغضّ النظر عن عدد الصواريخ التي جرى ويجري إعتراضها، مع كل هُجوم صاروخي إسرائيلي جديد، فإنّ المُواجهة العسكرية بين الطرفين صارت مفتوحة والتصاعد السريع لوتيرتها واضح للجميع.

والحديث المُتزايد عن ردّ إيراني حتمي على الإستهداف الإسرائيلي المُباشر للوحدات العسكرية الإيرانية العاملة في سوريا، وكذلك حديث أمين عام "​حزب الله​" السيّد ​حسن نصر الله​ عن "حادثة مفصليّة في وضع المنطقة، ما قبلها شيء، وما بعدها شيء آخر..."، وما رافق هذه الأجواء من إستنفار عسكري إسرائيلي على طول الحدود مع ​لبنان​ وسوريا، جعل المُراقبين بوضع مُترقّب لطبيعة الرد الإيراني الذي عُلم أنّه سيكون من نفس حجم ووزن الضربة الإسرائيليّة. وفي الوقت الذي تتكتّم فيه مصادر محور "المُقاومة والمُمانعة" عن إعطاء أي إشارة أو تلميح بشأن طبيعة الردّ الأمني المُرتقب وبشأن توقيته، تردّد أنّ إيران مُصرّة على الردّ مهما كلّف الأمر، وأنّ هذا الردّ لن يكون صُوريًا او إعلاميًا بل يهدف إلى إيقاع إصابات مُباشرة في صُفوف الجيش الإسرائيلي ردًا على سُقوط سبعة إيرانيّين من الحرس الثوري في الضربة على مطار "تي فور" في سوريا. وبحسب بعض التوقّعات التي تندرج في خانة التحليل والتقدير، وليس في خانة المعلومات، فإنّ الردّ الإيراني سيكون عبر صواريخ ستُطلقها مجموعة من الطائرات من دون طيّار، ستنطلق دُفعة واحدة من سوريا، وستُحاول خرق الدفاعات الأرضيّة والجويّة الإسرائيليّة عبر أكثر من مكان في آن واحد، لقصف مجموعة من الأهداف العسكريّة الإسرائيليّة، وذلك ليس إنتقامًا لعناصر الحرس الثوري الذين سقطوا في سوريا فحسب، بل أيضًا بهدف إسقاط المُعادلة التي تُحاول إسرائيل فرضها في سوريا، لجهة ضرب مواقع إيرانيّة من دون توقّع أيّ رد، ولجهة منع المحور المُؤيّد لإيران من تأسيس بنية عسكريّة قتاليّة مُهدّدة للأمن الإسرائيلي.

وفي الخلاصة، صحيح أنّ الضربات الإسرائيلية في سوريا والتي بلغ عددها نحو 20 إعتداء صاروخيًا منذ العام 2013 حتى اليوم، كانت محصورة بأهداف مُحدّدة، وصحيح أنّ الردود على هذه الضربات كانت دفاعيّة وغير هُجوميّة، باستثناء الضربات التي نفّذها "حزب الله" على الحُدود ردًا على إغتيال قادة ميدانيّين له، لكنّ الأصحّ أنّ مصداقيّة إيران باتت اليوم على المحكّ، ما يعني أنّ ردّها لا يُمكن أن يكون إعلاميًا كردود النظام السُوري، علمًا أنّه من المُمكن أن يكون أي إحتكاك عسكري مُباشر بين إسرائيل وإيران في سوريا محصورًا في الزمان والمكان. لكن لا ضمانة إطلاقًا لهذا الأمر، حيث يُمكن أن تبدأ المُواجهة بضربات صاروخيّة محدودة، لكن تطوّرها إلى سلسلة من الردود والردود العسكريّة المُضادة، قد يُدخل المنطقة في مُواجهة عسكرية شاملة كانت مُختلف الأطراف المعنيّة تسعى حتى الأمس القريب إلى تأجيل موعدها. فهل حان وقت إنفجارها؟!.