على الرغم من حالة الغليان التي تشهدها المنطقة، منذ تاريخ إستهداف ​إسرائيل​ مبنى القنصلية ال​إيران​ية في دمشق، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يبدو الوحيد الذي يسعى إلى الإبقاء على حالة التوتر القائمة، منذ تاريخ السابع من تشرين الأول الماضي، بسبب الحاجة الشخصية إلى ذلك، في حين تعمل العديد من الجهات الدولية والإقليمية لتفادي الإنزلاق إلى ما هو أخطر.

في هذا السياق، تسعى تلك الجهات، على رأسها ​الولايات المتحدة​، إلى منع تل أبيب من الذهاب إلى ردّ كبير على الهجوم الإيراني الذي تعرضت له إسرائيل، أو الأقل تفادي ذهابها إلى رد يدفع طهران إلى توجيه ضربة جديدة، تكون مقدمة لسلسلة من الضربات المتبادلة، بسبب المخاطر التي قد تنجم عن ذلك على مستوى الأوضاع في منطقة ​الشرق الأوسط​، لكن لا يبدو أن تل أبيب قادرة على التراجع في الوقت الراهن.

في هذا الإطار، تلفت مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الأسباب نفسها التي تدفع إسرائيل إلى الإستمرار في عدوانها على ​قطاع غزة​ و​جنوب لبنان​، تحول دون قدرتها على تجاوزها الضربة الإيرانيّة، حتى ولو كانت هذه الأخيرة قد جاءت رداً على تجاوزها الخطوط الحمراء، وبالتالي هي من الممكن أن تتجاوز هذه المسألة، على قاعدة أنها كانت المبادرة إلى الهجوم، في حين أنّ الرد الإيراني، بحسب ما تعلن، لم ينجح في تحقيق أهدافه.

وتوضح هذه المصادر أنّ المشكلة الأساس، التي تعاني منها تل أبيب، تكمن بتضرر صورتها على المستويين الداخلي والخارجي منذ عملية طوفان الأقصى، حيث لم يعد سكانها بقادرين على الشعور بالأمان، وهو ما دفعها إلى "الجنون" في ردها العسكري على قطاع غزة، في حين أنها فقدت قدرتها على الردّ في وجه أعدائها، بدليل مبادرة أكثر من جهة إقليمية إلى تنفيذ هجمات ضدّها.

وتشير المصادر نفسها إلى أنّه في ظل هذا الواقع من غير الممكن، بالنسبة إلى إسرائيل، أن تتجاهل تداعيات الهجوم الإيراني، خصوصاً أن تأثيره المعنوي أكبر من العسكري، ما يعني أنها بحاجة إلى إعادة رسم الصورة الردعيّة لدى سكانها، التي هي في الأصل كانت قد تضرّرت بسبب ما حصل في السابع من تشرين الأول الماضي، من دون تجاهل الأزمة التي تعاني منها على مستوى المستوطنات الشماليّة، التي يؤكّد سكانها أنهم ليسوا في وارد العودة قبل معالجة الخطر الذي يشكله "​حزب الله​".

بالنسبة إلى المصادر السياسية المتابعة، بغض النظر عن توقيت وطبيعة ومكان الرد الإسرائيلي، فهو على الأرجح قادم لا محالة، نظراً إلى توفر مجموعة من المعطيات التي تصب في هذا الإتجاه، بدءاً من الحاجة إلى إستعادة الصورة الردعيّة، التي تمت الإشارة إليها في الأعلى، بالإضافة إلى حاجة نتانياهو الشخصية إلى أسباب جديدة لإستمرار حالة الحرب، من دون تجاهل عامل الصراع الداخلي بين الأجنحة السياسية المختلفة.

من وجهة نظر هذه المصادر، السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه في الوقت الراهن، يتعلق بقدرة تل أبيب على التعامل مع الضغوط الغربيّة، التي تصبّ في إطار منع خروج الأمور عن السيطرة، نظراً إلى أنّها لا تستطيع أن تذهب إلى مغامرة كبيرة من هذا النوع، من دون غطاء أو دعم من الولايات المتحدة، كما أنّها لا تملك القدرة على تجاهل التبدّل الذي كان قد حصل، في الأشهر الماضية، على مستوى التعاطف الدولي معها، نتيجة التجاوزات التي تم إرتكابها في غزة.

في المحصّلة، تلفت المصادر نفسها إلى أن إسرائيل بحاجة إلى ردّ يعيد تكريس صورتها الردعية، لكنه في المقابل لا يقود إلى خروج الأمور عن السيطرة، لكنها تشدد على أن هذا الأمر قد لا يتحقق بسهولة، نظراً إلى أن إيران لن تكون في وارد التساهل في هذا المجال، خصوصاً بعد المعادلة الجديدة التي فرضتها على مستوى منطقة الشرق الأوسط، ما يهدد بوضع المنطقة أمام مسلسل طويل من الردود والردود المضادة، التي من الممكن أن تمثل تهديداً خطيراً على أمن مختلف الدول الإقليمية المحيطة بالجانبين.