كلما إقترب موعد ال​انتخابات​ النيابية، زاد الشحن السياسي في ​لبنان​، لكن دائرة زحلة تشهد مزيداً من أجواء التحشيد الجماهيري عند معظم الافرقاء. ما يميّز تلك الدائرة أن السباق علني ضمن مرشحي الحلف الانتخابي الواحد، تحديدا في لائحة يدعمها التياران، "الوطني الحر"و"المستقبل"، واللائحة التي شكّلها حزبا "القوات"و"الكتائب". كلّ مرشح يسعى الى حشد جمهوره ومحاولة جذب الأصوات من أمام شركائه في اللائحة، لكسب مزيد من الاصوات التفضيلية تضمن له الفوز. ما يزيد من حجم المنافسة في دائرة زحلة، ان استطلاعات الرأي أظهرت تقاسم اللوائح الانتخابية للمقاعد، من دون قدرة فريق وحده، أو تحالف فريقين سياسيين على حصد اكثرية المقاعد السبعة.

تتقدم "القوات" على غيرها في التحشيد السياسي-الانتخابي. لم يستسغ "القواتيون"تراجع قدراتهم التجييرية في زحلة، الى حدود "حاصل ونصف"بأحسن الاحوال، ومن ضمنها الأصوات الكتائبية. من هنا أتت زيارة رئيس الحزب ​سمير جعجع​ الى عروس ​البقاع​ لاحياء ذكرى الشهداء. لم تكف الزيارة ولا الخطاب التحشيدي، ربما أدت الزيارة غرض لم شمل "القواتيين"حول مرشح ​معراب​ ​جورج عقيص​، الذي يواجه مشكلتين: اولاً، انتماؤه للحزب "السوري القومي الاجتماعي"سابقاً، وثانياً، كونه من خارج ​مدينة زحلة​، التي يفضّل أبناؤها أن يكون مقعدا الكاثوليك تحديداً لنائبين من زحلة، لا من خارج المدينة . هذا ما لمسه "القواتيون"في الاسابيع الماضية.

من هنا إزداد التحشيد، والهدف "شد العصب" لتأمين مزيد من الاصوات الانتخابية لصالح عقيص. هناك من إفتعل مشاكل في زحلة، عبر "حادثة الأعلام"بين "القوات"و"حزب الله". لم تُعرف هويته. صوّرت "القوات" نفسها ضحية في المعلّقة و​الكرك​، الواقعين على مدخل زحلة. وجّه "القواتيون"أصابع الإتهام لـ"حزب الله". دخلت ​بلدية زحلة​ على خط المعالجة. لكن "القواتيين"رفعوا سقف الخطاب، عبر نداءات تولاها عقيص نفسه "لشد العصب" حوله. أظهر عقيص إندفاعة لإظهار قدراته وغيرته على زحلة. وكأن هناك من وضع سيناريو الحادثة. شكّلت تلك المحطة مناسبة لعقيص للتصويب على منافسه النائب نقولا فتّوش من جهة، و"​التيار الوطني الحر​" من جهة ثانية. وتسويق نفسه في زحلة مرشحاً يحمي وجودهم فيها. هنا يضحك زحليون طويلاً. لم ينجح عقيص في تحشيد الجماهير حوله. بقيت اللعبة في إطارها المصغّر. لم تعد الجماهير في الساحة ​المسيحية​ تستنفر خلف شعارات أو محطات عابرة. صار المواطن يعرف فبركات اللعبة الانتخابية، ووسائل شد العصب حول الحزبيين والمرشحين. لا بل يريد المواطنون خدمات وقدرات انمائية تصبّ في صالحهم. لا يريدون ان يكونوا وقوداً لسياسات عابرة، سبق وأن دفع الناس ثمنها غالياً.

يعاني حزب "القوات" من مشكلة في الخطاب الانتخابي. لا يستطيع التصويب على خصومه في لائحة "الوطني الحر" و"المستقبل"، لاعتبارات سياسية مشتركة بينهم، ومصالح، جمعتهم في دوائر انتخابية أخرى. لم يبق الاّ التصويب عنده على قوّتين: فتوش اولاً الذي يشكّل هاجساً للقوات، نتيجة قدراته الانتخابية والشعبية والتشريعية. و"الكتلة الشعبية"ثانياً بنسبة أقل.

جاء التصويب "القواتي" على فتوش. لأن نائب زحلة يترجم شعار "قرار زحلة في زحلة". بينما أتى كلام عقيص بصراحة عن أن قرار زحلة في معراب. جرى توزيع كلام عقيص بالصوت والصورة حول مرجعية معراب لأهل زحلة. كما أن فتّوش يفاخر أمام الزحليين أن تحالفاته الانتخابية جاءت خاضعة لشروط زحلية. يظهر ذلك في شعار اللائحة: "زحلة الخيار والقرار". اضافة الى "تلبية الخدمات" و"البيت المفتوح"أمام الزحليين.

كل تصويب "القوات" جاء لضرب فتوش. ترشيح عقيص نفسه كقانوني، كان الهدف منه تسويقه كمشرّع، لأن فتوش مشرّع نيابي من الطراز الاول. ثم جاء ترشيح قريب لفتوش، لسحب الاصوات منه. لم تنجح معراب في كل تلك الخطوات. "القوات" اصطدمت بمطبّات أخرى، لم تستطع تذليل عقباتها. لذلك، يتوقع المراقبون اشتداد الحملة "القواتية"في زحلة حتى موعد ​الانتخابات النيابية​. والهدف حصد أصوات تفضيلية لعقيص، ورفع الحاصل الانتخابي لتأمين نجاح مرشح آخر على اللائحة، يسعى النائب الكتائبي ​ايلي ماروني​ لأن يكون هو الفائز، بفعل توزيع حصص اللوائح نسبياً.

ستستمر اللعبة الانتخابية حتى يوم السادس من آيار. لكن اليوم الذي يليه، سيحمل نتائج مغايرة عن انتخابات عام 2009. هناك من يثبّت نفسه مرجعية. وهناك من يتراجع تمثيله. وهناك من يستعيد دوره. انها زحلة، الدائرة الاشد تجاذباً بين القوى السياسية حول نوّابها.