ليس سراً ان ​لبنان​ يعاني منذ عقود من الزمن نقطة ضعف فادحة في مجال دفاعه الجوي، بفعل "الفيتو" المفروض عليه في هذا المجال ومجالات اخرى من ​الاسلحة​ المحظّر على جيشه الوطني الحصول عليها. ويمكن لاي دولة استباحة مجاله الجوي دون عناء، وهذا ما يظهر بوضوح عبر ما يحصل مع السوريين وال​اسرائيل​يين والروس، وغيرهم من الدول.

لكن اختراق المجال جوي شيء، واستعمال هذا المجال عنوة للاعتداء على لبنان او اي دولة اخرى شيء آخر. ففي الشق الاول، بات من "المعتاد" -مع انه غير مسموح- ان تُخترق الاجواء اللبنانية بشكل روتيني بين الفينة والاخرى، اما للمراقبة او للترهيب او... ولا يكون عادة لهذه الحادثة تداعيات لانها تحصل دون خسائر مادية او بشرية، انما تنحصر خسائرها بالناحية المعنوية فقط.

اما في الشق الثاني، فيكون الوضع اكثر خطورة، اذ تكون هناك حرب دائرة على غرار ما تقوم به اسرائيل منذ سنوات في لبنان، في مواجهة مفتوحة تخفّ وطأتها حيناً وتتصاعد احياناً، فيما تعبر فوق لبنان لضرب ​سوريا​ التي باتت ظروفها مشابهة للبنان، اذ لم تحصل مواجهة جوية بين ​الطائرات الاسرائيلية​ والسورية من جهة، كما ان الدفاعات السورية مرتبطة بالروس ولا يمكن اطلاقها الا بموافقة روسيّة من جهة ثانية.

فمن ناحية، يُعتبر لبنان معذوراً لعدم مجابهته الطائرات غير اللبنانية التي تستبيح اجواءه لاي مهمة كانت، لأنه لا يملك الامكانات اللازمة لمواجهتها، ولا يمكن لأحد ان يلومه على ذلك لان الدول الكبرى هي التي تمنع حصوله على طائرات حربية او دفاعات جوية متطورة. وفي ما خص انظمة الدفاع التي يملكها ​حزب الله​، فهي لن تُستعمل الا في حال المواجهة العسكرية كما حصل العام 2006، عندها سيطلق الحزب ما يملكه من صواريخ رادعة للطائرات الاسرائيلية وسيسقط حتماً عدداً منها. وفي غياب استعمال مضادات الحزب، وفي غياب الحافز السوري للمواجهة الجوية، تبقى مسألة استعمال الاجواء لشن ضربات او حروب، خاضعة لتوافق دولي، وهو امر محتّم لا يمكن التغاضي عنه.

هذا ما يحصل في كل مرة، فلا يمكن لاسرائيل من تلقاء نفسها ان تتخذ قراراً بشن عمليات جوية، ولا يمكن للطائرات السورية ان ترتفع في الاجواء بقرار ذاتي، لان من شأن ذلك توريط الدول المعنية واحراجها وهي التي ستكون في الواجهة، وستتحمل العواقب. وفي هذا المجال، هناك نقطة ايجابية تكمن في ان لبنان "معفى" من اي لوم، واستعمال اجوائه دون اذنه لا يرتّب عليه اي تداعيات سوى تلك المعنوية، بمعنى انه بلد ممنوع عليه المواجهة في الجو، ومن العوامل المطمئنة ايضاً ان ​روسيا​ باتت "جارة" للبنان، وتطمع بتواجد فيه او في جواره، لذلك قد تقوم من وقت الى آخر بخرق اجوائه انما لغايات استطلاعية او حتى "لـ"طمأنته" من انها قريبة منه في حال اي اختلال في الميزان الدولي، كما حصل مع سوريا، ومضمون هذا الكلام (لناحية الطمأنة) كان واضحاً اثر تصريح نائب وزير الخارجية الروسي ​ميخائيل بوغدانوف​ الذي انهال بالمديح والتقدير للبنان ولرئيسه، والاعراب عن وقوف موسكو الى جانبهما خلال لقائه رئيس الجمهورية على هامش اعمال القمة العربية الاخيرة في الدمام.

صحيح ان لبنان يعاني من نقص في مجال الدفاع الجوي، ولكن من الصحيح ايضاً ان هناك نوعاً من "الاتفاق" بين مختلف الدول على عدم استعمال المجال الجوّي للقصف الا في حال حصول تفاهم او توافق معيّن حول الموضوع، وعندها، حتى ولو تمتع لبنان بنظام دفاع جوي معيّن فلن يقدّم ولن يؤخر في شيء، لانه في هذه الحالة سيتوجب عليه انتظار موافقة الدولة التي سلّمته هذا السلاح لاستعماله، او تأجيل ما لا بد له ان يحصل، ولكن عند الكلام عن اعتداءات برية، فالحديث يأخذ منحى آخر ولن يكون بالكامل في يد الدول الكبرى والمعنية، بل سيكون للبنان الدور البالغ الاهمية فيه.